التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥١
وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون
٥٢
وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٥٣
قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٥٤
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٥٥
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٥٦
لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٥٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٥٨
وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٥٩
وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ
٦٠
لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٦١
-النور

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي، وقرىء { قَوْلَ } بالرفع و { لِيَحْكُمَ } على البناء للمفعول وإسناده إلى ضمير مصدره على معنى ليفعل الحكم.

{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما يأمرانه أو في الفرائض والسنن. { وَيَخْشَ ٱللَّهَ } على ما صدر عنه من الذنوب. { وَيَتَّقْهِ } فيما بقي من عمره، وقرأ يعقوب وقالون عن نافع بلا ياء وأبو بكر وأبو عمرو بسكون الهاء، وحفص بسكون القاف فشبه تقه بكتف وخفف والهاء ساكنة في الوقف بالاتفاق. { فَأُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون } بالنعيم المقيم.

{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } إنكار للامتناع عن حكمه. { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ } الخروج عن ديارهم وأموالهم. { لَيُخْرِجَنَّ } جواب لـ { أَقْسَمُواْ } على الحكاية. { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ } على الكذب. { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } أي المطلوب منكم طاعة معروفة لا اليمين على الطاعة النفاقية المنكرة. أو { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } أمثل منها أو لتكن طاعة، وقرئت بالنصب على أطيعوا طاعة. { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فلا يخفى عليه سرائركم.

{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أمر بتبليغ ما خاطبهم الله به على الحكاية مبالغة في تبكيتهم. { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ } أي على محمد صلى الله عليه وسلم. { مَا حُمّلَ } من التبليغ. { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ } من الامتثال. { وَإِن تُطِيعُوهُ } في حكمه. { تَهْتَدُواْ } إلى الحق. { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } التبليغ الموضح لما كلفتم به، وقد أدى وإنما بقي { مَّا حُمّلْتُمْ } فإن أديتم فلكم وإن توليتم فعليكم.

{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة أوله ولمن معه ومن للبيان { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } ليجعلنهم خلفاء متصرفين في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم، وهو جواب قسم مضمر تقديره وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم، أو الوعد في تحققه منزل منزلة القسم. { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني بني إسرائيل استخلفهم في مصر والشام بعد الجبابرة، وقرأ أبو بكر بضم التاء وكسر اللام وإذا ابتدأ ضم الألف والباقون بفتحهما وإذا ابتدؤوا كسروا الألف. { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } وهو الإِسلام بالتقوية والتثبيت. { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ } من الأعداء، وقرأ ابن كثير وأبو بكر بالتخفيف. { أَمْناً } منهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين، ثم هاجروا إلى المدينة وكان يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى أنجز الله وعده فأظهرهم على العرب كلهم وفتح لهم بلاد الشرق والغرب، وفيه دليل على صحة النبوة للإِخبار عن الغيب على ما هو به وخلافة الخلفاء الراشدين إذ لم يجتمع الموعود والموعود عليه لغيرهم بالإِجماع. وقيل الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة. { يَعْبُدُونَنِي } حال من الذين لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد، أو استئناف ببيان المقتضي للاستخلاف والأمن. { لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين. { وَمَن كَفَرَ } ومن ارتد أو كفر هذه النعمة. { بَعْدَ ذَلِكَ } بعد الوعد أو حصول الخلافة. { فَأُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } الكاملون في فسقهم حيث ارتدوا بعد وضوح مثل هذه الآيات، أو كفروا تلك النعمة العظيمة.

{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلَوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } في سائر ما أمركم به ولا يبعد عطف ذلك على أطيعوا الله فإن الفاصل وعد على المأمور به، فيكون تكرير الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للتأكيد وتعليق الرحمة بها أو بالمندرجة هي فيه بقوله: { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } كما علق به الهدى.

{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } لا تحسبن يا محمد الكفار معجزين لله عن إدراكهم وإهلاكهم، و { فِي ٱلأَرْضِ } صلة { مُعجِزِينَ }. وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء على أن الضمير فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى كما هو في القراءة بالتاء أو { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فاعل والمعنى ولا يحسبن الكفار في الأرض أحداً معجزاً لله، فيكون { مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } مفعوليه أو لا يحسبونهم { مُعَـجِزِينَ } فحذف المفعول الأول لأن الفاعل والمفعولين لشيء واحد فاكتفى بذكر اثنين عن الثالث. { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } عطف عليه من حيث المعنى كأنه قيل: الذين كفروا ليسوا بمعجزين ومأواهم النار، لأن المقصود من النهي عن الحسبان تحقيق نفي الإِعجاز. { وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المأوى الذي يصيرون إليه.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } رجوع إلى تتمة الأحكام السالفة بعد الفراغ من الإِلهيات الدالة على وجوب الطاعة فيما سلف من الأحكام وغيرها والوعد عليها والوعيد على الإِعراض عنها، والمراد به خطاب الرجال والنساء غلب فيه الرجال لما روي أن غلام أسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كرهته فنزلت. وقيل أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلج بن عمرو الأنصاري وكان غلاماً وقت الظهيرة ليدعو عمر، فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لوددت أن الله عز وجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بإذن، ثم انطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده وقد أنزلت هذه الآية: { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } والصبيان الذين لم يبلغوا من الأحرار فعبر عن البلوغ بالاحتلام لأنه أقوى دلائله. { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } في اليوم والليلة مرة. { مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ } لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، ومحله النصب بدلاً من ثلاث مرات أو الرفع خبراً لمحذوف أي هي من قبل صلاة الفجر. { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ } أي ثيابكم لليقظة للقيلولة. { مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } بيان للحين. { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء } لأنه وقت التجرد عن اللباس والالتحاف باللحاف. { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } أي هي ثلاث أوقات يختل فيها تستركم، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده وأصل العورة الخلل ومنها أعور المكان ورجل أعور. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي { ثَلَـٰثٍ } بالنصب بدلاً من { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ }. { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } بعد هذه الأوقات في ترك الاستئذان، وليس فيه ما ينافي آية الاستئذان فينسخها لأنه في الصبيان ومماليك المدخول عليه وتلك في الأحرار البالغين. { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ } أي هم طوافون استئناف ببيان العذر المرخص في ترك الاستئذان وهو المخالطة وكثرة المداخلة، وفيه دليل على تعليل الأحكام وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاثة وغيرها بأنها عورات. { بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بعضكم طائف على بعض أو يطوف بعضكم على بعض. { كَذٰلِكَ } مثل ذلك التبيين. { يُبيّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ } أي الأحكام. { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بأحوالكم. { حَكِيمٌ } فيما شرع لكم.

{ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الذين بلغوا من قبلهم في الأوقات كلها، واستدل به من أوجب استئذان العبد البالغ على سيدته، وجوابه أن المراد بهم المعهودين الذين جعلوا قسيماً للمماليك فلا يندرجون فيهم. { كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } كرره تأكيداً ومبالغة في الأمر بالاستئذان.

{ وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنّسَاءِ } العجائز اللاتي قعدن عن الحيض والحمل. { ٱلَّلَـٰتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } لا يطمعن فيه لكبرهن. { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } أي الثياب الظاهرة كالجلباب، والفاء فيه لأن اللام في { ٱلْقَوَاعِدِ } بمعنى اللاتي أو لوصفها بها. { غَيْرَ مُتَبَرّجَـٰتِ بِزِينَةٍ } غير مظهرات زينة مما أمرن بإخفائه في قوله تعالى: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [النور: 31] وأصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفى من قولهم: سفينة بارجة لا غطاء عليها، والبرج سعة العين بحيث يرى بياضها محيطاً بسوادها كله لا يغيب منه شيء، إلا أنه خص بتكشف المرأة زينتها ومحاسنها للرجال. { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ } من الوضع لأنه أبعد من التهمة.{ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لمقالتهن للرجال. { عَلِيمٌ } بمقصودهن.

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } نفي لما كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذراً من استقذارهم، أو أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج إلى الغزو وخلفهم على المنازل مخافة أن لا يكون ذلك من طيب قلب، أو من إجابة من دعوهم إلى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلاً عليهم، وهذا إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة أو كان في أول الإِسلام ثم نسخ بنحو قوله { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } [الأحزاب: 53] وقيل نفي للحرج عنهم في القعود عن الجهاد وهو لا يلائم ما قبله ولا ما بعده. { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيها بيوت الأولاد لأن بيت الولد كبيته لقوله عليه الصلاة والسلام "أنت ومالك لأبيك" وقوله عليه الصلاة والسلام "إن أطيب ما يأكل المؤمن من كسبه وإن ولده من كسبه" { أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } وهو ما يكون تحت أيديكم وتصرفكم من ضيعة أو ماشية وكالة أو حفظاً. وقيل بيوت المماليك والمفاتح جمع مفتح وهو ما يفتح به وقرىء { مفتاحه }. { أَوْ صَدِيقِكُمْ } أو بيوت صديقكم فإنهم أرضى بالتبسط في أموالهم وأسر به، وهو يقع على الواحد والجمع كالخليط، هذا كله إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ولذلك خصص هؤلاء فإنه يعتاد التبسط بينهم، أو كان ذلك في أول الإِسلام فنسخ فلا احتجاج للحنفية به على أن لا قطع بسرقة مال المحرم. { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } مجتمعين أو متفرقين نزلت في بني ليث ابن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده. أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا معه. أو في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الطبائع في القذارة والنهمة. { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً } من هذه البيوت { فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة. { تَحِيَّةً مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ثابتة بأمره مشروعة من لدنه، ويجوز أن تكون صلة للتحية فإنه طلب الحياة وهي من عنده تعالى وانتصابها بالمصدر لأنها بمعنى التسليم. { مُّبَـٰرَكَةً } لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب. { طَيِّبَةً } تطيب بها نفس المستمع. وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لي "متى لقيت أحداً من أمتي فسلم عليه يطل عمرك، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين" { كَذٰلِكَ يُبيّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ } كرره ثلاثاً لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به وفصل الأولين بما هو المقتضى لذلك وهذا بما هو المقصود منه فقال: { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي الحق والخير في الأمور.