التفاسير

< >
عرض

لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٢١
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
٢٢
إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
٢٣
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ
٢٤
أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
٢٥
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ
٢٦
-النمل

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ لأُعَذّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } كنتف ريشه وإلقائه في الشمس، أو حيث النمل يأكله أو جعله مع ضده في قفص. { أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ } ليعتبر به أبناء جنسه.{ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } بحجة تبين عذره، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما، وقرأ ابن كثير أو «ليأتينني» بنونين الأولى مفتوحة مشددة.

{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } زماناً غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفاً منه، وقرأ عاصم بفتح الكاف. { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } يعني حالاً سبأ، وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علماً بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر لديه علمه، وقرىء بإدغام الطاء في التاء بإطباق وبغير إطباق. { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ } وقرأ ابن كثير برواية البزي وأبو عمرو غير مصروف على تأويل القبيلة والبلدة والقواس بهمزة ساكنة. { بِنَبَإٍ يَقِينٍ } بخبر متحقق روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام بها ما شاء، ثم توجه إلى اليمن فخرج من مكة صباحاً فوافى صنعاء ظهيرة فأعجبته نزاهة أرضها فنزل بها ثم لم يجد الماء ـ وكان الهدهد رائده لأنه يحسن طلب الماء ـ فتفقده لذلك فلم يجده إذ حلق حين نزل سليمان فرأى هدهداً واقعاً فانحط إليه فتواصفا وطار معه لينظر ما وصف له، ثم رجع بعد العصر وحكى ما حكى، ولعل في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك يستكبرها من يعرفها ويستنكرها من ينكرها.

{ إِنّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } يعني بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان، والضمير لسبأ أو لأهلها. { وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْء } يحتاج إليه الملوك. { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } عظمه بالنسبة إليها أو إلى عروش أمثالها. وقيل كان ثلاثين ذراعاً في ثلاثين عرضاً وسمكاً، أو ثمانين من ذهب وفضة مكللاً بالجواهر.

{ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } كأنهم كانوا يعبدونها. { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } عبادة الشمس وغيرها من مقابح أعمالهم. { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } عن سبيل الحق والصواب. { فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } إليه.

{ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } فصدهم لئلا يسجدوا أو زين لهم أن لا يسجدوا على أنه بدل من { أَعْمَـٰلَهُمْ }، أو { لاَ يَهْتَدُونَ } إلى أن يسجدوا بزيادة{ لا }. وقرأ الكسائي ويعقوب { إِلا } بالتخفيف على أنها للتنبيه ويا للنداء ومناداه محذوف أي: ألا يا قوم اسجدوا كقوله:

وَقَالَتْ أَلاَ يَا اسْمَعْ أَعِظكَ بِخطَّةٍ فَقُلْتُ سَمِيعاً فَانْطِقِي وَأَصِيبِي

وعلى هذا صح أن يكون استئنافاً من الله أو من سليمان والوقف على { لاَ يَهْتَدُونَ }، فيكون أمراً بالسجود وعلى الأول ذماً على تركه وعلى الوجهين يقتضي وجوب السجود في الجملة لا عند قراءتها، وقرىء «هلا» و «هلا» بقلب الهمزة هاء و «ألا تسجدون» و «هلا تسجدون» على الخطاب. { ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا يُخْـفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود من التفرد بكمال القدرة والعلم حثاً على سجوده ورداً على من يسجد لغيره، و { ٱلْخَبْء } ما خفي في غيره وإخراجه إظهاره، وهو يعم إشراق الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النبات بل الإِنشاء فإنه إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والإِبداع، فإنه إخراج ما في الإِمكان والعدم إلى الوجوب والوجود ومعلوم أنه يختص بالواجب لذاته. وقرأ حفص والكسائي »مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ« بالتاء.

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } الذي هو أول الأجرام وأعظمها والمحيط بجملتها فبين العظيمين بون.