التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
٤٥
قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٤٦
قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
٤٧
وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ
٤٨
قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٤٩
وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٠
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
٥١
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥٢
وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٣
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٥٤
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
٥٥
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٥٦
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٥٧
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ
٥٨
قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
٥٩
أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
٦٠
-النمل

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } بأن اعبدوا الله، وقرىء بضم النون على اتباعها الباء. { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } ففاجئوا التفرق والاختصام فآمن فريق وكفر فريق، والواو لمجموع الفريقين.

{ قَالَ يَـا قَوْمٍ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيّئَةِ } بالعقوبة فتقولون ائتنا بما تعدنا. { قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } قبل التوبة فتؤخرونها إلى نزول العقاب فإنهم كانوا يقولون إن صدق إيعاده تبنا حينئذ. { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ } قبل نزوله. { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } بقبولها فإنها لا تقبل حينئذ.

{ قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا } تشاءمنا. { بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } إِذ تتابعت علينا الشدائد، أو وقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم. { قَالَ طَائِرُكُمْ } سببكم الذي جاء منه شركم. { عَندَ ٱللَّهِ } وهو قدره أو عملكم المكتوب عنده. { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } تختبرون بتعاقب السراء والضراء، والإِضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه.

{ وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ } تسعة أنفس، وإنما تمييزاً للتسعة باعتبار المعنى، والفرق بينه وبين النفر أنه من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة، والنفر من الثلاثة إلى التسعة. { يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي شأنهم الإِفساد الخالص عن شوب الصلاح.

{ قَالُواْ } أي قال بعضهم لبعض. { تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ } أمر مقول أو خبر وقع بدلاً أو حالاً بإضمار قد. { لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } لنباغتن صالحاً وأهله ليلاً. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض، وقرىء بالياء على أن تقاسموا خبر. { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ } فيه القراءات الثلاث. { لِوَلِيِّهِ } لولي دمه. { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } فضلاً أن تولينا إهلاكهم، وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا »مُهْلِكَ« في قراءة حفص فإن مفعلاً قد جاء مصدراً كمرجع. وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدراً. { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } ونحلف إنا لصادقون، أو والحال { إِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفاً، أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلاً بل رجلين.

{ وَمَكَرُواْ مَكْراً } بهذه المواضعة. { وَمَكَرْنَا مَكْراً } بأن جعلناها سبباً لإِهلاكهم. { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بذلك، روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا: زعم أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث، فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه، فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في أماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله:

{ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } و { كَانَ } إن جعلت ناقصة فخبرها { كَيْفَ } و { أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ } استئناف أو خبر محذوف لا خبر { كَانَ } لعدم العائد، وإن جعلتها تامة فـ { كَيْفَ } حال. وقرأ الكوفيون ويعقوب { أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ } بالفتح على أنه خبر محذوف أو بدل من اسم { كَانَ } أو خبر له و { كَيْفَ } حال.

{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } خالية من خوى البطن إذا خلا، أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط، وهي حال عمل فيها معنى الإِشارة. وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. { بِمَا ظَلَمُواْ } بسبب ظلمهم. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فيتعظون.

{ وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } صالحاً ومن معه.{ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } الكفر والمعاصي فلذلك خصوا بالنجاة.

{ وَلُوطاً } واذكر لوطاً، أو وأرسلنا لوطاً لدلالة ولقد أرسلنا عليه. { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } بدل على الأول وظرف على الثاني. { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } تعلمون فحشها من بصر القلب واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون أفحش.

{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً } بيان لإتيانهم الفاحشة وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه، والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لاقضاء الوطر. { مّن دُونِ ٱلنّسَاء } اللاتي خلقن لذلك. { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } تفعلون فعل من يجهل قبحها، أو يكون سفيهاً لا يميز بين الحسن والقبيح، أو تجهلون العاقبة والتاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب.

{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءَالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } أي يتنزهون عن أفعالنا، أو عن الأقذار ويعدون فعلنا قذراً.

{ فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَـٰهَا مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } قدرنا كونها من الباقين في العذاب.

{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } مر مثله.

{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى } أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ـ بعدما قص عليه القصص الدالة على كمال قدرته وعظم شأنه وما خص به رسله من الآيات الكبرى والانتصار من العدا ـ بتحميده والسلام على المصطفين من عباده شكراً على ما أنعم عليهم، أو علمه ما جهل من أحوالهم وعرفاناً لفضلهم وحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، أو لوطاً بأن يحمده على هلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك. { ٱللَّهِ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } إلزام لهم وتهكم بهم وتسفيه لرأيهم، إذ من المعلوم أن لا خير فيما أشركوه رأساً حتى يوازن بينه وبين من هو مبدأ كل خير. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء.

{ أَمَّن } بل أمن. { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } التي هي أصول الكائنات ومبادىء المنافع. وقرأ أمن بالتخفيف على أنه بدل من الله. { وَأَنزَلَ لَكُمْ } لأجلكم. { مِّنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته، والتنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما أشار إليه بقوله: { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } شجر الحدائق وهي البساتين من الإحداق وهو الإِحاطة. { أَءِلَهٌ مَّعَ ٱللهِ } أغيره يقرن به ويجعل له شريكاً، وهو المنفرد بالخلق والتكوين. وقرىء «أإلهاً» بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة بين الهمزتين وإخراج الثانية بين بين. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } عن الحق الذي هو التوحيد.