التفاسير

< >
عرض

طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ
١
هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٥
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
٦
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٧
فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨
يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
-النمل

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية

{ بسم الله الرحمن الرحيم }

{ طس }.

{ تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْقُرْءانِ وَكِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } الإِشارة إلى آي السورة، والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه، وتأخيره باعتباره تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود، أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام، أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى وتنكيره للتعظيم. وقرىء { وَكِتَـٰبٌ } بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

{ هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } حالان من الـ { ءَايَـٰتُ } والعامل فيهما معنى الإِشارة، أو بدلان منها أو خبران آخران أو خبران لمحذوف.

{ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } الذين يعملون الصالحات من الصلاة والزكاة. { وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف، وتغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم وثباته وأنهم الأوحدون فيه، أو جملة اعتراضية كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة، فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة وتكرير الضمير للاختصاص.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس، أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها. { فَهُمْ يَعْمَهُونَ } عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع.

{ أُوْلَٰـئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } كالقتل والأسر يوم بدر. { وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } أشد الناس خسراناً لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة.

{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءَانَ } لتؤتاه. { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي حكيم وأي عليم، والجمع بينهما مع أن العلم داخل في الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على اتقان الفعل والإِشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمة كالعقائد والشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات، ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله:

{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنّي آنَسْتُ نَاراً } أي اذكر قصته { إِذْ قَالَ } ويجوز أن يتعلق بـ { عَلِيمٌ }. { سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ } أي عن حال الطريق لأنه قد ضله، وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل، والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإِتيان وإن أبطأ. { أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ } شعلة نار مقبوسة، وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبساً وغير قبس، ونونه الكوفيون ويعقوب على أن الـ { قَبَسٍ } بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس، والعدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في «طه»، والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم، أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعبادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده. { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة.

{ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ } أي { بُورِكَ } فإن النداء فيه معنى القول، أو بـ { أَن بُورِكَ } على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة، والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة. { مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } { مِنْ } في مكان { ٱلنَّارِ } وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: { { نُودِيَ مِن شَاطِىء ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } [القصص: 30] ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض، وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتاً وخصوصاً تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى. وقيل المراد موسى والملائكة الحاضرون، وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم. { وَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهاً وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر، أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته.

{ يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ } الهاء للشأن و { أَنَا ٱللَّهُ } جملة مفسرة له، أو للمتكلم و { أَنَاْ } خبره و { ٱللَّهِ } بيان له. { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره، يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير.

{ وَأَلْقِ عَصَاكَ } عطف على { بُورِكَ } أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك، ويدل عليه قوله { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } بعد قوله { أَن يَا مُوسَىٰ إِنّي أَنَا ٱللَّهُ } بتكرير أن. { فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ } تتحرك باضطراب. { كَأَنَّهَا جَانٌّ } حية خفيفة سريعة، وقرىء «جأن» على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين. { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } ولم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار، وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله: { يَا مُوسَى لاَ تَخَفْ } أي من غيري ثقة بي أو مطلقاً لقوله: { إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى، أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه.