التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
٨٧
وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
٨٨
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ
٨٩
وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٠
إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٩١
وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ
٩٢
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٩٣
-النمل

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } في الصور أو القرن، وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق. { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه. { إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } أن لا يفزع بأن يثبت قلبه. قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقيل الحور والخزنة وحملة العرش، وقيل الشهداء، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأنه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك. { وَكُلٌّ أَتَوْهُ } حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية، أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة وحفص { أَتَوْهُ } على الفعل، وقرىء «أتاه» على التوحيد للفظ الكل. { دٰخِرِينَ } صاغرين وقرىء «دخرين».

{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } ثابتة في مكانها. { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } في السرعة، وذلك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها. { صُنْعَ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد لنفسه وهو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله { وَعَدَ ٱللَّهُ } [الروم:60] { ٱلَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي. { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم عليها كما قال:

{ مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا } إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة، وقيل { خَيْرٌ مّنْهَا } أي خير حاصل من جهتها وهو الجنة، وقرأ ابن كثير وأبو عمر وهشام »خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ« بالياء والباقون بالتاء. { وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ } يعني به خوف عذاب يوم القيامة، وبالأول ما يلحق الإِنسان من التهيب لما يرى من الأهوال والعظائم لذلك يعم الكافر والمؤمن، وقرأ الكوفيون بالتنوين لأن المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم، وآمن يتعدى بالجار وبنفسه كقوله { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } [الأعراف: 99] وقرأ الكوفيون ونافع { يَوْمَئِذٍ } بفتح الميم والباقون بكسرها.

{ وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ } قيل بالشرك. { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } فكبوا فيها على وجوههم، ويجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما أريدت بالأيدي في قوله تعالى: { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [البقرة: 195] { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } على الالتفات أو بإضمار القول أي قيل لهم ذلك.

{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة، إشعاراً بأنه قد أتم الدعوة وقد كملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربه، وتخصيص مكة بهذه الإِضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها وقرىء «التي حرمها». { وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } خلقاً وملكاً. { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } المنقادين أو الثابتين على ملة الإِسلام.

{ وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْءَانَ } وأن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئاً فشيئاً، أو اتباعه وقرىء «واتل عليهم» «وأن أتل». { فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ } باتباعه إياي في ذلك، { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } فإن منافعه عائدة إليه. { وَمَن ضَلَّ } بمخالفتي. { فَقُلْ إِنَّمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } فلا علي من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت.

{ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على نعمة النبوة أو على ما علمني ووفقني للعمل به. { سَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ } القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض، أو في الآخرة. { فَتَعْرِفُونَهَا } أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة. { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلته عن أعمالكم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء.

عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة طس كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهوداً وصالحاً وإبراهيم وشعيباً، ويخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلا الله" .