التفاسير

< >
عرض

فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ
٩٧
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ
٩٨
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٩٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
١٠٠
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٠١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ
١٠٢
وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٠٣
وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٤
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٠٥
-آل عمران

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ } كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار، وأن ضواري السباع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وإن كل جبار قصده بسوء قهره الله كأصحاب الفيل. والجملة مفسرة للهدى، أو حال أخرى. { مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ } مبتدأ محذوف خبره أي منها مقام إبراهيم، أو بدل من آيات بدل البعض من الكل. وقيل عطف بيان على أن المراد بالآيات أثر القدم في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصخار وإبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف السنين. ويؤيده أنه قرىء «آية» بينة على التوحيد. وسبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه. { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً } جملة ابتدائية، أو شرطية معطوفة من حيث المعنى على مقام لأنه في معنى أمن من دخله أي ومنها أمن من دخله، أو فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله. اقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة وطوى ذكر غيرهما كقوله عليه السلام "حبب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة" لأن فيهما غنية عن غيرها في الدارين بقاء الأثر مدى الدهر والأمن من العذاب يوم القيامة، قال عليه السلام: "من مات في أحد الحرمين، بعث يوم القيامة آمناً" وعند أبي حنيفة من لزمه القتل بردة أو قصاص أو غيرهما والتجأ إلى الحرم لم يتعرض له ولكن ألجىء إلى الخروج. { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } قصده للزيارة على الوجه المخصوص. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { حَجَّ } بالكسر وهو لغة نجد. { مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } بدل من الناس بدل البعض من الكل مخصص له، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة "بالزاد والراحلة" وهو يؤيد قول الشافعي رضي الله تعالى عنه إنها بالمال، ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالكرحمه الله تعالى إنها بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق. وقال أبو حنيفةرحمه الله تعالى إنها بمجموع الأمرين. والضمير في إليه للبيت، أو الحج وكل ما أتى إلى الشيء فهو سبيله. { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وضع كفر موضع من لم يحج تأكيداً لوجوبه وتغليظاً على تاركه، ولذلك قال عليه السلام "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً" وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوبه الدلالة على وجوه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصورة الإِسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولاً ثم تخصيصه ثانياً فإنه كإيضاح بعد إيهام وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفراً من حيث إنه فعل الكفرة، وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان وقوله: { عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والإِشعار بعظم السخط، لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإِقبال على الله. روي (أنه لما نزل صدر الآية جمع رسول صلى الله عليه وسلم أرباب الملل فخطبهم وقال " إن الله تعالى: كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وكفرت به خمس ملل فنزل ومن كفر" ).

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ ٱللَّهِ } أي بآياته السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره، وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب دليل على أن كفرهم أقبح، لأن معرفتهم بالآيات أقوى وأنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والإِنجيل فهم كافرون بهما. { وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } والحال أنه شهيد مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها لا ينفعكم التحريف والاستسرار.

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ } كرر الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم، وإشعاراً بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العذاب، وسبيل الله في دينه الحق المأمور بسلوكه وهو الإسلام. قيل كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم حتى أتوا الأوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب ليعودوا لمثله ويحتالون لصدهم عنه. { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } حال من الواو أي باغين طالبين لها اعوجاجاً بأن تلبسوا على الناس وتوهموا أن فيه عوجاً عن الحق، بمنع النسخ وتغيير صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوهما، أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم. { وَأَنْتُمْ شُهَدَاء } إنها سبيل الله والصد عنها ضلال وإضلال، أو أنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا. { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } وعيد لهم، ولما كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به ختمها بقوله: { وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }. ولما كان في هذه الآية صدهم للمؤمنين عن الإسلام وكانوا يخفونه ويحتالون فيه قال { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ كَـٰفِرِينَ } نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوساً يتحدثون، فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شاباً من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس، ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح، واجتمع مع القبيلتين خلق عظيم، فتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال "أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإِسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بين قلوبكم" فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضاً وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما خاطبهم الله بنفسه بعدما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب إظهاراً لجلالة قدرهم، وإشعاراً بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم.

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } إنكار وتعجيب لكفرهم في حال اجتمع لهم الأسباب الداعية إلى الإيمان الصارفة عن الكفر. { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } ومن يتمسك بدينه أو يلتجىء إليه في مجامع أموره. { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ } فقد اهتدى لا محالة.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم كقوله: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16] وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: هو أن يطيع فلا يعصي، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى. وقيل هو: أن تنزه الطاعة عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها. وفي هذا الأمر تأكيد للنهي عن طاعة أهل الكتاب، وأصل تقاة وقية فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤده وتخمه والياء ألفاً. { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } أي ولا تكونن على حال سوى حال الإِسلام إذا أدرككم الموت، فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد أخرى وقد يتوجه نحو المجموع دونهما وكذلك النفي.

{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } بدين الإِسلام، أو بكتابه لقوله عليه السلام: "القرآن حبل الله المتين" . استعار له الحبل من حيث إن التمسك به سبب للنجاة من الردي، كما أن التمسك بالحبل سبب للسلامة من التردى والوثوق به والاعتماد عليه الاعتصام ترشيحاً للمجاز. { جَمِيعاً } مجتمعين عليه { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أي ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب، أو لا تتفرقوا تفرقكم في الجاهلية يحارب بعضكم بعضاً، أو لا تذكروا ما يوجب التفرق ويزيل الألفة. { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } التي من جملتها الهداية والتوفيق للإِسلام المؤدي إلى التآلف وزوال الغل. { إِذْ كُنتُم أَعْدَاءً } في الجاهلية متقاتلين. { فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } بالإِسلام. { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } متحابين مجتمعين على الأخوة في الله. وقيل كان الأوس والخزرج أخوين فوقع بين أولادهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتى أطفأها الله بالإِسلام وألف بينهم برسوله صلى الله عليه وسلم. { وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ } مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم، إذ لو أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتم في النار. { فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا } بالإِسلام، والضمير للحفرة، أو للنار، أو للشفا. وتأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه أو لأنه بمعنى الشفة فإن شفا البئر وشفتها طرفها كالجانب والجانبة، وأصله شفو فقلبت الواو ألفاً في المذكر وحذفت في المؤنث. { كَذٰلِكَ } مثل ذلك التبيين. { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ } دلائله. { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.

{ وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } من للتبعيض، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ولأنه لا يصلح له كل أحد إذ للمتصدي له شروط لا يشترك فيها جميع الأمة كالعلم بالأحكام ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها والتمكن من القيام بها. خاطب الجميع وطلب فعل بعضهم ليدل على أنه واجب على الكل حتى لو تركوه رأساً أثموا جميعاً ولكن يسقط بفعل بعضهم، وهكذا كل ما هو فرض كفاية. أو للتبيين بمعنى وكونوا أمة يدعون كقوله تعالى: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } [آل عمرآن: 110] والدعاء إلى الخير يعم الدعاء إلى ما فيه صلاح ديني أو دنيوي، وعطف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عطف الخاص على العام للإيذان بفضله.{ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } المخصوصون بكمال الفلاح روي: أنه عليه السلام سئل من خير الناس فقال: "آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم" والأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً على حسب ما يؤمر به. والنهي عن المنكر واجب كله لأن جميع ما أنكره الشرع حرام. والأظهر أن العاصي يجب عليه أن ينهى عما يرتكبه لأنه يجب عليه تركه وإنكاره فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر.

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ } كاليهود والنصارى اختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال الآخرة على ما عرفت. { مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه. والأظهر أن النهي فيه مخصوص بالتفرق في الأصول دون الفروع لقوله عليه السلام "اختلاف أمتي رحمة" ولقوله عليه الصلاة والسلام "من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد" { وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وعيد للذين تفرقوا وتهديد على التشبه بهم.