التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ
١٤
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ
١٥
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
١٦
فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ
١٧
وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ
١٨
يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
١٩
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ
٢٠
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ
٢٢
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٢٣
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٢٤
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ
٢٥
-الروم

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } أي المؤمنون والكافرون لقوله تعالى:

{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ } أرض ذات أزهار وأنهار. { يُحْبَرُونَ } يسرون سروراً تهلك له وجوههم.

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَلِقَاء ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـئِكَ فِى ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } مدخلون لا يغيبون عنه.

{ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر، ويجوز أن يكون { عشياً } معطوفاً على { ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } وقوله { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } اعتراضاً. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن الآية جامعة للصلوات الخمس { تُمْسُونَ } صلاتا المغرب والعشاء، و { تُصْبِحُونَ } صلاة الفجر، و { عشيا } صلاة العصر، و { تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر. ولذلك زعم الحسن أنها مدنية لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة، والأكثر على أنها فرضت بمكة. وعنه عليه الصلاة والسلام "من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية" وعنه عليه الصلاة والسلام "من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته، ومن قاله حين يمسي أدرك ما فاته في يومه" وقرىء «حيناً تمسون» و «حيناً تصبحون» أي تمسون فيه وتصبحون فيه.

{ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } كالإِنسان من النطفة والطائر من البيضة. { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ مِنَ ٱلْحَىّ } كالنطفة والبيضة، أو يعقب الحياة الموت وبالعكس. { وَيُحيِي الأَرْضَ } بالنبات. { بَعْدَ مَوْتِهَا } يبسها. { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك الإخراج. { تُخْرَجُونَ } من قبوركم فإنه أيضاً تعقيب الحياة الموت، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } أي في أصل الإِنشاء لأنه خلق أصلهم منه. { ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين في الأرض.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً } لأن حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء خلقن من نطف الرجال، أو لأنهن من جنسهم لا من جنس آخر. { لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا } لتميلوا إليها وتألفوا بها فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر. { وَجَعَلَ بَيْنَكُم } أي بين الرجال والنساء، أو بين أفراد الجنس. { مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظماً لأمر المعاش، أو بأن تعيش الإِنسان متوقف على التعارف والتعاون المحوج إلى التواد والتراحم، وقيل المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كقوله تعالى: { { وَرَحْمَةً مّنَّا } [مريم: 21] { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيعلمون ما في ذلك من الحكم.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ } لغاتكم بأن علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها وأقدره عليها، أو أجناس نطفكم وأشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية. { وَأَلْوٰنِكُمْ } بياض الجلد وسواده، أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها وألوانها، وحلاها بحيث وقع التمايز والتعارف حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّلْعَـٰلَمِينَ } لا تكاد تخفى على عاقل من ملك أو إنس أو جن، وقرأ حفص بكسر اللام ويؤيد قوله: { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ }

[العنكبوت: 43] { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَاؤُكُمْ مّن فَضْلِهِ } منامكم في الزمانين لاستراحة القوى النفسانية وتقوي القوى الطبيعية وطلب معاشكم فيهما، أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين إشعاراً بأن كلاً من الزمانين وإن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة، ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } سماع تفهم واستبصار فإن الحكمة فيه ظاهرة.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ } مقدر بأن المصدرية كقوله:

أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضَر الوَغَى وَأَن أشْهَد اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلدِي

أو الفعل فيه منزلة المصدر كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق كقوله:

فَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِي العَيْشَ أَكْدَحُ

{ خَوْفًا } من الصاعقة للمسافر. { وَطَمَعًا } في الغيث للمقيم، ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فإن إراءتهم تستلزم رؤيتهم أوله على تقدير مضاف نحو إرادة خوف وطمع، أو تأويل الخوف والطمع بالإِخافة والإِطماع كقولك فعلته رغماً للشيطان، أو على الحال مثل كَلَّمْتُهُ شِفَاهاً. { وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً } وقرىء بالتشديد. { فَيُحيِي بِهِ الأَرْضَ } بالنبات. { بَعْدَ مَوْتِهَا } يبسها. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } قيامهما بإقامته لهما وإرادته لقيامهما في حيزيها المعينين من غير مقيم محسوس، والتعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة. { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ ٱلأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } عطف على { أَن تَقُومَ } على تأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته قيام السموات والأرض بأمره ثم خروجكم من القبور { إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً } واحدة فيقول أيها الموتى اخرجوا، والمراد تشبيه سرعة ترتب حصول ذلك على تعلق إرادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابة الداعي المطاع على دعائه، وثم إما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه ومن الأرض متعلق بدعا كقولك: دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي لا بتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها، و { إِذَا } الثانية للمفاجأة ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى.