التفاسير

< >
عرض

فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٠
ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٤١
قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ
٤٢
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ
٤٣
مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ
٤٤
لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ
٤٥
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٤٦
-الروم

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَـئَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } كصلة الرحم، واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم وهو غير مشعر به. { وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } ما وظف لهما من الزكاة، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لمن بسط له ولذلك رتب على ما قبله بالفاء. { ذَلِكَ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } ذاته أو جهته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصاً، أو جهة التقرب إليه لا جهة أخرى. { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم.

{ وَمَا ءَاتَيْتُمْ مّن رِباً } زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يتوقع بها مزيد مكافأة، وقرأ ابن كثير بالقصر بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. { لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } ليزيد ويزكو في أموالهم. { فَلاَ يَرْبُواْ عَندَ ٱللَّهِ } فلا يزكو عنده ولا يبارك فيه، وقرأ نافع ويعقوب «لتربوا» أي لتزيدوا أو لتصيروا ذوي ربا. { وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ } تبتغون به وجهه خالصاً { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة، وقرىء بفتح العين وتغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظماً للمبالغة، والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفاً لحالهم، أو للتعميم كأنه قال: فمن فعل ذلك { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }، والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة تقديره المضعفون به، أو فَمُؤْتُوه أولئك هم المضعفون.

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء } أثبت له لوازم الألوهية ونفاها رأساً عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها مؤكداً بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق، ثم استنتج من ذلك تقدسه عن أن يكون له شركاء فقال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة صفة والخبر { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ } والرابط { مّن ذٰلِكُمُ } لأنه بمعنى من أفعاله، و { مِنْ } الأولى والثانية تفيد أن شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيدة لتعميم المنفي وكل منها مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء.

{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الغاصة ومحق البركات وكثرة المضار، أو الضلالة والظلم. وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرىء و «البحور». { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ } بشؤم معاصيهم أو بكسبهم إياه، وقيل ظهر الفساد في البر بقتل قابيل أخاه وفي البحر بأن جلندا ملك عمان كان يأخذ كل سفينة غصباً. { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } بعض جزائه فإن تمامه في الآخرة واللام للعلة أو العاقبة. وعن ابن كثير ويعقوب «لّنُذِيقَهُمْ» بالنون. { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عما هم عليه.

{ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ } لتشاهدوا مصداق ذلك وتحققوا صدقه. { كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } استئناف للدلالة على أن سوء عاقبتهم كان لفشو الشرك وغلبته فيهم، أو كان الشرك في أكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم.

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ ٱلْقِيّمِ } البليغ الاستقامة. { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ } لا يقدر أن يرده أحد، وقوله: { مِنَ ٱللَّهِ } متعلق بـ { يَأْتِىَ }، ويجوز أن يتعلق بـ { مَرَدْ } لأنه مصدر على معنى لا يرده الله لتعلق إرادته القديمة بمجيئه. { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } يتصدعون أي يتفرقون { فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ } كما قال

{ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي وباله وهو النار المؤبدة. { وَمَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } يسوون منزلاً في الجنة، وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص.

{ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِن فَضْلِهِ } علة لـ { يَمْهَدُونَ } أو لـ { يَصَّدَّعُونَ }، والاقتصار على جزاء المؤمنين للإِشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء على فحوى قوله: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَـٰفِرِينَ } فإن فيه إثبات البغض لهم والمحبة للمؤمنين، وتأكيد اختصاص الصلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التصريح بهم تعليل له ومن فضله دال على أن الإِثابة تفضل محض، وتأويله بالعطاء أو الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرّيَـٰحَ } الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام "اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «ٱلرّيحَ» على إرادة الجنس. { مُبَشّرٰتٍ } بالمطر. { وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ } يعني المنافع التابعة لها، وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها { مُبَشّرٰتٍ } أو عليها باعتبار المعنى، أو على { يُرْسِلُ } بإضمار فعل معلل دل عليه. { وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } يعني تجارة البحر. { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها.