التفاسير

< >
عرض

يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
٧
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ
٨
أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٩
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ
١٠
ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
١١
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ
١٢
وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ
١٣
-الروم

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها. { وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ } التي هي غايتها والمقصود منها. { هُمْ غَـٰفِلُونَ } لا تخطر ببالهم، و { هُمْ } الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ و { غَـٰفِلُونَ } خبره والجملة خبر الأولى، وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله: { لاَّ يَعْلَمُونَ } تقريراً لجهالتهم وتشبيهاً لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها، فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهراً، وأما باطنها فإنها مجاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وأنموذج لأحوالها وإشعاراً بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا.

{ أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ } أو لم يحدثوا التفكر فيها، أو أَوَ لَمْ يَتَفَكْرُوا في أمر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على إبدائها. { مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ } متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام. { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } تنتهي عنده ولا تبقى بعده. { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَاءِ رَبّهِمْ } بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمى أو قيام الساعة. { لَكَـٰفِرُونَ } جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية وأن الآخرة لا تكون.

{ أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } تقرير لسيرهم في أقطار الأرض ونظرهم في آثار المدمرين قبلهم. { كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } كعاد وثمود. { وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها. { وَعَمَرُوهَا } وعمروا الأرض. { أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها، وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم أضعف حالاً فيها، إذ مدار أمرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة وهم ضعفاء ملجئون إلى دار لا نفع لها. { وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَاتِ } بالمعجزات أو الآيات الواضحات. { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } ليفعل بهم ما تفعل الظلمة فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير. { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث عملوا ما أدى إلى تدميرهم.

{ ثُمَّ كَانَ عَـٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ ٱلسُّوءىٰ } أي ثم كان عاقبتهم العاقبة { السوأى } أو الخصلة { السوأى }، فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم وأنهم جاءوا بمثل أفعالهم، و { السوأى } تأنيث الأسوأ كالحسنى أو مصدر كالبشرى نعت به. { ثُمَّ أَن كَذَّبُواْ بِئَايَاتِ اللهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ } علة أو بدل أو عطف بيان لـ { السوأى }، أو خبر كان و { السوأى } مصدر أساؤوا أو مفعوله بمعنى، { ثُمَّ كَانَ عَـٰقِبَةَ } الذين اقترفوا الخطيئة أن طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها، ويجوز أن تكون { السوأى } صلة الفعل و { ٱلسُّوءىٰ أَن كَذَّبُواْ } تابعها والخبر محذوف للإبهام والتهويل، وأن تكون { أن } مفسرة لأن الإِساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب والاستهزاء كانت متضمنة معنى القول، وقرأ ابن عامر والكوفيون { عَـٰقِبَةُ } بالنصب على أن الاسم { السوأى } و { أَن كَذَّبُواْ } على الوجوه المذكورة.

{ ٱللَّهِ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْق } ينشئهم. { ثُمَّ يُعِيدُهُ } يبعثهم. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } للجزاء والعدول إلى الخطاب للمبالغة في المقصود، وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وروح بالياء على الأصل.

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يسكتون متحرين آيسين يقال ناظرته فأبلس إذا سكت وآيس من أن يحتج ومنه الناقة المبلاس التي لا ترغو، وقرىء بفتح اللام من أبلسه إذا أسكته.

{ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائِهِمْ } ممن أشركوهم بالله. { شُفَعَاءُ } يجيرونهم من عذاب الله، ومجيئه بلفظ الماضي لتحققه. { وَكَانُواْ بِشُرَكَائِهِمْ كَـٰفِرِينَ } يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم، وقيل كانوا في الدنيا كافرين بسببهم، وكتب في المصحف «شفعواء« و { عَلِمُواْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } [الشعراء: 197] بالواو وكذا { السوأى } بالألف إثباتاً للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها.