التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً
٧٠
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
٧١
إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
٧٢
لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٣
-الأحزاب

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في ارتكاب ما يكرهه فضلاً عما يؤذي رسوله.{ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } قاصداً إلى الحق من سد يسد سداداً، والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد.

{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } يوفقكم للأعمال الصالحة، أو يصلحها بالقبول والإِثابة عليها. { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل. { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الأوامر والنواهي. { فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } يعيش في الدنيا حميداً وفي الآخرة سعيداً.

{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ } تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة، وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء، والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها، وأشفقن منها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين. { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً } حيث لم يف بها ولم يراع حقها. { جَهُولاً } بكنه عاقبتها، وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب. وقيل المراد بـ { ٱلأَمَانَةَ } الطاعة التى تعم الطبيعية والاختيارية، وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته، فيكون الإِباء عنه اتياناً بما يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة الخيانة والتقصير. وقيل إنه تعالى لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهماً وقال لها: إني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها، وناراً لمن عصاني، فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبتغي ثواباً ولا عقاباً، ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله، وكان ظلوماً لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولاً بوخامة عاقبته، ولعل المراد بـ { ٱلأَمَانَةَ } العقل أو التكليف، وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن، وبإبائهن الإِباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوماً جهولاً لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية، وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمناً على القوتين حافظاً لهما عن التعدي ومجاوزة الحد، ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.

{ لّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } تعليل للحمل من حيث إنه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديباً، وذكر التوبة في الوعد إشعار بأنهم كونهم ظلوماً جهولاً في جبلتهم لا يخليهم عن فرطات. { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } حيث تاب عن فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعاتهم. قال عليه الصلاة والسلام "من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر" .