التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٢٦
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ
٢٧
وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
٢٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ
٢٩
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
٣٠
وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
٣١
ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٣٢
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٣٣
-فاطر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي إنكار بالعقوبة.

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } أجناسها وأصنافها على أن كلا منها ذو أصناف مختلفة، أو هيئاتها من الصفرة والخضرة ونحوهما. { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } أي ذو جدد أي خطط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره، وقرىء «جُدَدٌ» بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة و «جُدَدٌ» بفتحتين وهو الطريق الواضح. { بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهَا } بالشدة والضعف. { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } عطف على { بَيْضٌ } أو على { جُدَدٌ } كأنه قيل: ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ومنها { غرابيب } متحدة اللون، وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظير ذلك في الصفة قول النابغة:

وَالمُـؤْمِـنُ العَـائِـذَاتُ الطَيْـرُ يَمْسَحُهَـا

وفي مثله مزيد تأكيد لما فيه من التكرير باعتبار الإِضمار والإِظهار.

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلأَنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ كَذَلِكَ } كاختلاف الثمار والجبال. { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "إني أخشاكم لله وأتقاكم له" ولذلك أتبعه بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته، وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر. وقرىء برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيباً. { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } يداومون على قرائته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة لهم وعنواناً، والمراد بكتاب الله القرآن أو جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين. { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلاَنِيَةً } كيف اتفق من غير قصد إليهما. وقيل السر في المسنونة والعلانية في المفروضة. { يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً } تحصيل ثواب الطاعة وهو خبر إن. { لَّن تَبُورَ } لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة وقوله:

{ لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } علة لمدلوله أي ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها أجور أعمالهم، أو لمدلول ما عد من امتثالهم نحو فعلوا ذلك { لِيُوَفّيَهُمْ } أو عاقبة لـ { يَرْجُونَ }. { وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } على ما يقابل أعمالهم. { إِنَّهُ غَفُورٌ } لفرطاتهم. { شَكُورٍ } لطاعاتهم أي مجازيهم عليها، وهو علة للتوفية والزيادة أو خبر إن ويرجون حال من واو وأنفقوا.

{ وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني القرآن و { مِنْ } للتبيين أو الجنس و { مِنْ } للتبعيض. { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أحقه مصدقاً لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لأن حقيته تستلزم موافقته إياه في العقائد وأصول الأحكام. { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } عالم بالبواطن والظواهر فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية.

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } حكمنا بتوريثه منك أو نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه، أو أورثناه من الأمم السالفة، والعطف على { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ } { وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } اعتراض لبيان كيفية التوريث. { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } يعني علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم، أو الأمة بأسرهم فإن الله اصطفاهم على سائر الأمم { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } بالتقصير في العمل به. { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } يعمل به في غالب الأوقات. { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } بضم التعليم والإِرشاد إلى العمل، وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم. وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء والسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام "أما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته" وقيل الظالم الكافر على أن الضمير للعباد، وتقدميه لكثرة الظالمين ولأن الظلم بمعنى الجهل والركون إلى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان. { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق.

{ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } مبتدأ وخبر والضمير للثلاثة أو لـ{ ٱلَّذِينَ } أو للـ { مُّقْتَصِدٌ } والـ { سَابِقُ }، فإن المراد بهما الجنس وقرىء «جنة عدن» و { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } منصوب بفعل يفسره الظاهر، وقرأ أبو عمرو «يَدْخُلُونَهَا» على البناء للمفعول. { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } خبر ثان أو حال مقدرة، وقرىء «يُحَلَّوْنَ» من حليت المرأة فهي حالية. { مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } { مِنْ } الأولى للتبعيض والثانية للتبيين. { وَلُؤْلُؤاً } عطف على { ذَهَبَ } أي { مّن ذَهَبٍ } مرصع باللؤلؤ، أو { مّن ذَهَبٍ } في صفاء اللؤلؤ ونصبه نافع وعاصم رحمهما الله تعالى عطفاً على محل { مِنْ أَسَاوِرَ }. { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }.