التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ
٦٦
وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ
٦٧
وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ
٦٨
وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ
٦٩
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٧٠
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ
٧١
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ
٧٢
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ
٧٤
لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ
٧٥
-يس

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة. { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصّرٰطَ } فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه، وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار، أو جعل المسبوق إليه مسبوقاً على الاتساع أو بالظرف.{ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } الطريق وجهة السلوك فضلاً عن غيره.

{ وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَـٰهُمْ } بتغيير صورهم وإبطال قواهم. { عَلَىٰ مَكَــٰنَتِهِمْ } مكانهم بحيث يجمدون فيه، وقرأ أبو بكر «مكاناتهم». { فَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ مُضِيّاً } ذهاباً. { وَلاَ يَرْجِعُونَ } ولا رجوعاً فوضع الفعل موضعه للفواصل، وقيل { لاَ يَرْجِعُونَ } عن تكذيبهم، وقرىء { مُضِياً } بإتباع الميم الضاد المكسورة لقلب الواو ياء كالمعتى والمعتي ومضياً كصبي، والمعنى أنهم بكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم أحقاء بأن يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم واقتضاء الحكمة إمهالهم.

{ وَمَن نّعَمّرْهُ } ومن نطل عمره. { نُنَكِّـسْهُ فِى ٱلْخَلْقِ } نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره، وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على أصله، وقرأ عاصم وحمزة «نُنَكّـسْهُ» من التنكيس وهو أبلغ والنكس أشهر. { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير أنه على تدرج، وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله.

{ وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشّعْرَ } رد لقولهم إن محمداً شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن، فإنه لا يماثله لفظاً ولا معنى لأنه غير مقفى ولا موزون، وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوها. { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحواً من أربعين سنة، وقوله عليه الصلاة والسلام:

"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"

وقوله:

هَلٌ أَنَتَ إلا إِصبعٌ دَميت وفي سَبِيلِ الله مَا لقيتِ

اتفاقيٌ من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك، وقد يقع مثله كثيراً في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعراً، هذا وقد روي أنه حرك الباءين وكسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية، وقيل الضمير للـ { قُرْءانَ } أي وما يصح للقرآن أن يكون شعراً. { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } عظة وإرشاد من الله تعالى. { وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } وكتاب سماوي يتلى في المعابد، ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإِعجاز.

{ لّيُنذِرَ } القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء. { مَن كَانَ حَيّاً } عاقلاً فهما فإن الغافل كالميت، أو مؤمناً في علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالإِيمان، وتخصيص الإِنذار به لأنه المنتفع به. { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ } وتجب كلمة العذاب. { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } المصرين على الكفر، وجعلهم في مقابلة من كان حياً إشعاراً بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة.

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص، والتفرد بالإِحداث. { أَنْعـٰماً } خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع. { فَهُمْ لَهَا مَـٰلِكُونَ } متملكون لها بتمليكنا إياها، أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال:

أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلا أَمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ إِنْ نَفَرَا

{ وَذَلَّلْنَـٰهَا لَهُمْ } وصيرناها منقادة لهم. { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } مركوبهم، وقرىء «ركوبتهم»، وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة، وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها { رَكُوبُهُمْ }. { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } أي ما يأكلون لحمه.

{ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ } من الجلود والأصواف والأوبار. { وَمَشَـٰرِبُ } من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع، أو المصدر وأمال الشين ابن عامر وحده برواية هشام. { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } نعم الله في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف أمكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة.

{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً } أشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة، وعلموا أنه المتفرد بها. { لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم.

{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ } لآلهتهم. { جُندٌ مٌّحْضَرُونَ } معدون لحفظهم والذب عنهم، أو { مُحْضَرُونَ } أثرهم في النار.