التفاسير

< >
عرض

وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا
١
فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً
٢
فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً
٣
إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ
٤
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ
٥
إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ
٦
وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ
٧
لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ
٨
دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ
٩
إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
١٠
-الصافات

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية وآيها مائة واثنتان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا * فَٱلزجِرٰتِ زَجْراً * فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكْراً } أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية، على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإِلهية، منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأولياءه، أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس { يُسَبّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه، أو بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل، أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات، أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله

:

يا لهف زيابة للحارث الصـ ـابح فالغانم فالآيب

فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر، أو الإِشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام "رحم الله المحلقين فالمقصرين" غير أنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا.

{ إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم، وأما تحقيقه فبقوله تعالى.

{ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَـٰرِقِ } فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة، { وَرَبُّ } بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه، و { ٱلْمَشَـٰرِقِ } مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقاً،تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب، ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة، وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال.

{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَاءَ ٱلدُّنْيَا } القربى منكم. { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } بزينة هي { ٱلْكَوٰكِبِ } والإِضافة للبيان، ويعضده قراءة حمزة ويعقوب وحفص بتنوين «زينة» وجر { ٱلْكَوٰكِبِ } على إبدالها منه، أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها، أو بأن زينا { ٱلْكَوٰكِبِ } فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسماً كالليقة جاءت مصدراً كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين، والنصب على الأصل أو بأن زينتها { ٱلْكَوٰكِبِ } على إضافته إلى الفاعل وركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا أن تحقق لم يقدح في ذلك، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة

.{ وَحِفْظاً } منصوب بإضمار فعله، أو العطف على «زينة» باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء الدنيا وحفظاً. { مّن كُلّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } خارج من الطاعة برمي الشهب.

{ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأعْلَىٰ } كلام مبتدأ لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم، ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون، ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن وأهدرها كقوله:

ألا أيهـذا الـزاجـري أحضـر الـوغـى

فإن اجتماع ذلك منكر والضمير لـ { كُلٌّ } باعتبار المعنى، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإِصغاء مبالغة لنفيه وتهويلاً لما يمنعهم عنه، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي «وحفص» بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و { ٱلْمَلأِ ٱلأعْلَىٰ } الملائكة وأشرافهم. { وَيُقْذَفُونَ } ويرمون. { مِن كُلّ جَانِبٍ } من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده.

{ دُحُوراً } علة أي للدحور وهو الطرد أو مصدر لأنه والقذف متقاربان، أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر، وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضاً أن يكون مصدراً كالقبول أو صفة له أي قذفاً دحوراً. { وَلَهُمْ عَذَابُ } أي عذاب آخر. { وَاصِبٌ } دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة.

{ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } استثناء من واو { يَسْمَعُونَ } ومن بدل منه، والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة، وقرىء «خَطِفَ » بالتشديد مفتوح الخاء ومكسروها وأصلهما اختطف. { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ } أتبع بمعنى تبع، والشهاب ما يرى كأن كوكباً انقض، وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِين } [الملك: 5] فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه، ولا يبعد أن يصير الحادث كما ذكر في بعض الأوقات رجماً لشياطين تتصعد إلى قرب الفلك للتسمع، وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه، أو مصيره { دُحُوراً }. واختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأساً، ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق، لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإِنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها. { ثَاقِبٌ } مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه.