{ وَقِفُوهُمْ } احبسوهم في الموقف. { إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } عن عقائدهم وأعمالهم والواو لا توجب الترتيب مع جواز أن يكون موقفهم متعدداً.
{ مَا لَكُمْ لاَ تَنَـٰصَرُونَ } لا ينصر بعضكم بعضاً بالتخليص، وهو توبيخ وتقريع.
{ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم، وأصل الاستسلام طلب السلامة أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضاً ويخذله.
{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني الرؤوساء والأتباع أو الكفرة والقرناء. { يَتَسَاءلُونَ } يسأل بعضهم بعضاً للتوبيخ ولذلك فسر بـ { يتخاصمون }.
{ قَالُواْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } عن أقوى الوجوه وأيمنها، أو عن الدين أو عن الخير كأنكم تنفعوننا نفع السانح فتبعناكم وهلكنا، مستعار من يمين الإِنسان الذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ولذلك سمي يميناً وتيمن بالسانح، أو عن القوة والقهر فتقسروننا على الضلال، أو على الحلف فإنهم كانوا يحلفون لهم إنهم على الحق.
{ قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }.
{ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَـٰغِينَ } أجابهم الرؤساء أولاً بمنع إضلالهم بأنهم كانوا ضالين في أنفسهم، وثانياً بأنهم ما أجبروهم على الكفر إذ لم يكن لهم عليهم تسلط وإنما جنحوا إليه لأنهم كانوا قوماً مختارين الطغيان.
{ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ }.
{ فَأَغْوَيْنَـٰكُمْ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِينَ } ثم بينوا أن ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمراً مقضياً لا محيص لهم عنه، وإن غاية ما فعلوا بهم أنهم دعوهم إلى الغي لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن يكونوا مثلهم، وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية لإِغواء غاو فمن أغواهم.
{ فَإِنَّهُمْ } فإن الأتباع والمتبوعين. { يَوْمَئِذٍ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } كما كانوا مشتركين في الغواية.
{ إِنَّا كَذَلِكَ } مثل ذلك الفعل. { نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } بالمشركين لقوله تعالى:
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } أي عن كلمة التوحيد، أو على من يدعوهم إليه.
{ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } يعنون محمداً عليه الصلاة والسلام.
{ بَلْ جَاءَ بِٱلْحَقَّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون.
{ إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } بالإِشراك وتكذيب الرسل، وقرىء بنصب «ٱلْعَذَابَ »، على تقرير النون كقوله
:
وَلاَ ذَاكِــرُ الله إِلاَّ قَلِيــلاً
وهو ضعيف في غير المحلى باللام وعلى الأصل. { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } إلا مثل ما عملتم.
{ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في { تُجْزَوْنَ } لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عنه باعتبار المماثلة، فإن ثوابهم مضاعف والمنقطع أيضاً بهذا الاعتبار.
{ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } خصائصه من الدوام، أو تمحض اللذة ولذلك فسره بقوله:
{ فَوٰكِهُ } فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي والقوت بالعكس، وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة. { وَهُم مُّكْرَمُونَ } في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال كما عليه رزق الدنيا.
{ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } في جنات ليس فيها إلا النعيم، وهو ظرف أو حال من المستكن في { مُّكْرَمُونَ }، أو خبر ثان { لأولئك } وكذلك:
{ عَلَىٰ سُرُرٍ } يحتمل الحال أو الخبر فيكون: { مُّتَقَـٰبِلِينَ } حالاً من المستكن فيه أو في { مُّكْرَمُونَ }، وأن يتعلق بـ { مُّتَقَـٰبِلِينَ } فيكون حالاً من ضمير { مُّكْرَمُونَ }.