التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ
١٢
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ
١٣
إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
١٤
وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ
١٥
وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ
١٦
ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
١٧
إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ
١٨
وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ
١٩
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ
٢٠

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } ذو الملك الثابت بالأوتاد كقوله:

وَلَقَدْ غَنوا فِيْهَا بِأَنْعَمِ عِيْشَةٍ فِي ظِلِّ ملكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ

مأخوذ من ثبات البيت المطنب بأوتاده، أو ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضاً كالوتد يشد البناء. وقيل نصب أربع سوار وكان يمد يدي المعذب ورجليه إليها ويضرب عليها أوتاداً ويتركه حتى يموت.

{ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَـٰبُ لْئَيْكَةِ } وأصحاب الغيضة وهم قوم شعيب، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر «ليكة». { أُوْلَـئِكَ ٱلأَحْزَابُ } يعني المتحزبين على الرسل الذين جعل الجند المهزوم منهم.

{ إِن كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ } بيان لما أسند إليهم من التكذيب على الإِبهام مشتمل على أنواع من التأكيد ليكون تسجيلاً على استحقاقهم للعذاب، ولذلك رتب عليه: { فَحَقَّ عِقَابِ } وهو إما مقابلة الجمع بالجمع أو جعل تكذيب الواحد منهم تكذيب جميعهم.

{ وَمَا يَنظُرُ هَـؤُلآءِ } وما ينتظر قومك أو الأحزاب فإنهم كالحضور لاستحضارهم بالذكر، أو حضورهم في علم الله تعالى: { إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } هي النفخة الأولى. { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين، أو رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع، وقرأ حمزة والكسائي بالضم وهما لغتان.

{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّلْ لَّنَا قِطَّنَا } قسطنا من العذاب الذي توعدنا به، أو الجنة التي تعدها للمؤمنين وهو من قطه إذا قطعه، وقيل لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس وقد فسر بها أي: عجل لنا صحيفة أعمالنا للنظر فيها. { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } استعجلوا ذلك استهزاء.

{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } واذكر لهم قصته تعظيماً للمعصية في أعينهم، فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان، أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال. { ذَا ٱلأَيْدِ } ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد وأياد بمعنى. { إِنَّهُ أَوَّابٌ } رجاع إلى مرضاة الله تعالى، وهو تعليل لـ { ٱلأَيْدِ } ودليل على أن المراد به القوة في الدين، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ويقوم نصف الليل.

{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ } قد مر تفسيره، و { يُسَبّحْنَ } حال وضع موضع مسبحان لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالاً بعد حال. { بِٱلْعَشِىّ وَٱلإشْرَاقِ } ووقت الإِشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق. وعن أم هانىء رضي الله تعالى عنها: أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الضحى وقال "هذه صلاة الإِشراق" وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية.

{ وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } إليه من كل جانب، وإنما لم يراع المطابقة بين الحالين لأن الحشرجملة أدل على القدرة منه مدرجاً، وقرىء «وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً» بالمبتدأ والخبر. { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح، والفرق بينه وبين ما قبله أنه يدل على الموافقة في التسبيح وهذا على المداومة عليها، أو كل منهما ومن داوود عليه الصلاة والسلام مرجع لله التسبيح.

{ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود، وقرىء بالتشديد للمبالغة.قيل: إن رجلاً ادعى بقرة على آخر وعجز عن البيان، فأوحى إليه أن اقتل المدعى عليه فأعلمه فقال: صدقت إني قتلت أباه وأخذت البقرة فعظمت بذلك هيبته. { وَءَاتيْنَاهُ الْحِكْمَةَ } النبوة أو كمال العلم واتقان العمل. { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } وفصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل، أو الكلام المخلص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف، والإِضمار والحذف والتكرار ونحوها، وإنما سمي به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة، وقيل هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار محل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف كلام الرسول عليه الصلاة والسلام "فصل لا نزر ولا هذر" .