التفاسير

< >
عرض

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ
٥١
أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥٢
قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣
وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
٥٤
وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٥٥
أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ
٥٦
-الزمر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم، وسماه سيئة لأنه في مقابلة أعمالهم السيئة رمزاً إلى أن جميع أعمالهم كذلك. { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالعتو. { مِنْ هَـؤُلاَءِ } المشركين و { مِنْ } للبيان أو للتبعيض. { سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُواْ } كما أصاب أولئك، وقد أصابهم فإنهم قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم. { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } بفائتين.

{ أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } حيث حبس عنهم الرزق سبعاً ثم بسط لهم سبعاً. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بأن الحوادث كلها من الله بوسط أو غيره.

{ قُلْ يَاٰ عِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أفرطوا في الجناية عليها بالإِسراف في المعاصي، وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن. { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } لا تيأسوا من مغفرته أولاً وتفضله ثانياً. { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } عفواً ولو بَعْدَ بُعْدٍ، تقييده بالتوبة خلاف الظاهر ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية، والتعليل بقوله: { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } على المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة، وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في { عِبَادِى } من الدلالة على الذلة، والإِختصاص المقتضيين للترحم، وتخصيص ضرر الإِسراف بأنفسهم والنهي عن القنوط مطلقاً عن الرحمة فضلاً عن المغفرة، وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب جميعاً، ووضع اسم { ٱللَّهِ } موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإِطلاق والتأكيد بالجميع. وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال "ما أحب أن تكون لي الدنيا وما فيها بها، فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال: ألا ومن أشرك ثلاث مرات" وما روي أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الوثن وقتل النفس بغير حق لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس فنزلت. وقيل في عياش والوليد بن الوليد في جماعة افتتنوا أو في الوحشي لا ينفي عمومها وكذا قوله:

{ وَأَنِـيبُواْ إِلَىٰ رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } بأنها لا تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن التوبة والإِخلاص في العمل وتنافي الوعيد بالعذاب.

{ وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ } القرآن أو المأمور به دون المنهي عنه، والعزائم دون الرخص أو الناسخ دون المنسوخ، ولعله ما هو أنجى وأسلم كالإنابة والمواظبة على الطاعة. { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } بمجيئه فتتداركوا.

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ } كراهة أن تقول وتنكير { نَفْسٌ } لأن القائل بعض الأنفس أو للتكثير كقول الأعشى:

وَرُبَّ بَقِيعَ لَوْ هَتَفْتُ بِجَوِّه أَتَانِي كَرِيمٌ يَنْفُضُ الرَّأْسَ مُغْضبا

{ يَا حَسْرَتِىٰ } وقرىء بالياء على الأصل. { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ } بما قصرت. { فِى جَنبِ ٱللَّهِ } في جانبه أي في حقه وهو طاعته. قال سابق البربري:

أَمَا تَتَّقِينَ الله فِي جَنْبٍ وَامِق لَهُ كبدٌ حَرّى عَلَيْكَ تَقَطَّع

وهو كناية فيها مبالغة كقوله:

إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالمُرُوءَةَ وَالنَّدَى فِي قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الحَشْرَجِ

وقيل ذاته على تقدير مضاف كالطاعة وقيل في قربه من قوله تعالى:{ والصَّاحِب بالجنب } وقرىء «في ذكر الله». { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ } المستهزئين بأهله ومحل { إِن كُنتَ } نصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر.