التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
٢٠
أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ
٢١
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٢
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٢٣
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ
٢٤
فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
٢٥
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ
٢٦
-غافر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر إليه، أو خيانة الأعين. { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } من الضمائر والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفي إلا وهو متعلق العلم والجزاء { وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقّ } لأنه المالك الحاكم على الإطلاق قلا يقضي بشيء إلا وهو حقه { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْءٍ } تهكم بهم لأن الجماد لا يقال فيه إنه يقضي أو لا يقضي. وقرأ نافع وهشام بالتاء على الالتفات أو إضمار قل { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } تقرير لعلمه بـ { خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون، وتعريض بحال ما { يَدْعُونَ مِن دُونِهِ }.

{ أَوَ لَمْ يَسِيروُاْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ } مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود. { كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } قدرة وتمكناً، وإنما جيء بالفصل وحقه أن يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه. وقرأ ابن عامر «أشد منكم» بالكاف. { وَءَاثَاراً فِى الأَرْضِ } مثل القلاع والمدائن الحصينة. وقيل المعنى وأكثر آثاراً كقوله: متقلداً سيفاً ورمحاً { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } يمنع العذاب عنهم.

{ ذٰلِكَ } الأخذ. { بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالمعجزات أو الأحكام الواضحة. { فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ } متمكن مما يريده غاية التمكن. { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } لا يؤبه بعقاب دون عقابه.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } يعني المعجزات. { وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } وحجة قاهرة ظاهرة، والعطف لتغاير الوصفين أو لإِفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيماً لشأنه.

{ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقَـارُونَ فَقَالُواْ سَـٰحِرٌ كَـذَّابٌ } يعنون موسى عليه الصلاة والسلام، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبلهم بطشاً وأقربهم زماناً.

{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِٱلْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُواْ أَبْنَاءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَاءَهُمْ } أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولاً كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام. { وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } في ضياع، ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة.

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ } كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكاً في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله، أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله. { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه. { إِنّي أَخَافُ } إن لم أقتله. { أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ } أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى: { { وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ } [الأعراف: 127] { أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع، وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد .