التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ
٢٧
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
٢٨
يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ
٢٩
وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ
٣٠
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ
٣١
وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ
٣٢
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
٣٣
وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ
٣٤
ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ
٣٥
وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ
٣٦
أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ
٣٧
وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ
٣٨
يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ
٣٩
مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
٤٠
وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ
٤١
تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ
٤٢
لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٤٣
فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٤٤
فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ
٤٥
ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ
٤٦
-غافر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَقَالَ مُوسَى } أي لقومه لما سمع بكلامه. { إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } صدر الكلام بأن تأكيداً وإشعاراً على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية، وإضافته إليه وإليهم حثاً لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإِجابة، ولم يسم فرعون وذكر وصفاً يعمه وغيره لتعميم الإِستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على القول. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { عُذْتُ } فيه وفي سورة «الدخان» بالإِدغام وعن نافع مثله.

{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } من أقاربه. وقيل { مِنْ } متعلق بقوله: { يَكْتُمُ إِيمَـٰنَهُ } والرجل إسرائيلي أو غريب موحد كان ينافقهم. { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً } أتقصدون قتله. { أَن يَقُولَ } لأن يقول، أو وقت أن يقول من غير روية وتأمل في أمره. { رَبّىَ ٱللَّهُ } وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد. { وَقَدْ جَاءكُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } المتكثرة الدالة على صدقه من المعجزات والاستدلالات. { مّن رَّبّكُمْ } أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجاً عليهم واستدراجاً لهم إلى الاعتراف به، ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال: { وَإِن يَكُ كَـٰذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله. { وَإِن يَكُ صَـٰدِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِى يَعِدُكُمْ } فلا أقل من أن يصيبكم بعضه، وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإِنصاف وعدم التعصب، ولذلك قدم كونه كاذباً أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده، كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالاً عندهم وتفسير الـ { بَعْضُ } بالكل كقول لبيد:

تَرَاكَ أَمْكنة إِذَا لَمْ أَرْضَهَا أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حمامُهَا

مردود لأنه أراد بالـ { بَعْضُ } نفسه. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } احتجاج ثالث ذو وجهين:

أحدهما: أنه لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات.

وثانيهما: أن من خذله الله أهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله. ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم، وعرض به لفرعون بأنه { مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } لا يهديه الله سبيل الصواب وطريق النجاة.

{ يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَـٰهِرِينَ } غالبين عالين. { فِى ٱلأَرْضِ } أرض مصر. { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَاءَنَا } أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد، وإنما أدرج نفسه في الضميرين لأنه كان منهم في القرابة وليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم. { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ } ما أشير عليكم. { إِلاَّ مَا أَرَىٰ } وأستصوبه من قتله وما أعلمكم إلا ما علمت من الصواب وقلبي ولساني متواطئان عليه. { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } طريق الصواب، وقرىء بالتشديد على أنه فعال للمبالغة من رشد كعلام، أو من رشد كعباد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصور على السماع أو بالنسبة إلى الرشد كعواج وبتات.

{ وَقَالَ ٱلَّذِى ءَامَنَ يٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ } في تكذيبه والتعريض له. { مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } مثل أيام الأمم الماضية يعني وقائعهم، وجمع { ٱلأحَزَابِ } مع التفسير أغنى عن جمع { ٱلْيَوْمَ }.

{ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } مثل جزاء ما كانوا عليه دائباً من الكفر وإيذاء الرسل. { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } كقوم لوط. { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ } فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام، وهو أبلغ من قوله تعالى: { { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46] من حيث أن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم.

{ وَيٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضاً للاستغاثة، أو يتصايحون بالويل والثبور، أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار كما حكي في «الأعراف». وقرىء بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى: { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ }

[عبس: 34] { يَوْمَ تُوَلُّونَ } عن الموقف. { مُّدْبِرِينَ } منصرفين عنه إلى النار. وقيل فارين عنها. { مَا لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } يعصمكم من عذابه. { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }.

{ وَلَقَدْ جَاءكُـمْ يُوسُفُ } يوسف بن يعقوب على أن فرعونه فرعون موسى، أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد أو سبطه يوسف بن إبراهيم بن يوسف. { مِن قَبْلُ } من قبل موسى. { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالمعجزات. { فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مِّمَّا جَاءَكُـمْ بِهِ } من الدين. { حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ } مات. { قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } ضما إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده، أو جزماً بأن لا يبعث من بعده رسول مع الشك في رسالته، وقرىء «ألن يبعث الله» على أن بعضهم يقرر بعضاً بنفي البعث. { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الضلال. { يُضِلُّ ٱللَّهُ } في العصيان. { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد.

{ وَٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ } بدل من الموصول الأول لأنه بمعنى الجمع. { بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ } بغير حجة بل إما بتقليد أو بشبهة داحضة. { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فيه ضمير من وإفراده للفظ، ويجوز أن يكون «ٱلَّذِينَ آمنوا» مبتدأ وخبره { كَبُرَ } على حذف مضاف أي: وجدال الذين يجادلون كبر مقتاً أو بغير سلطان وفاعل { كَبُرَ } { كَذٰلِكَ } أي كبر مقتاً مثل ذلك الجدال فيكون قوله: { يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ } استئنافاً للدلالة على الموجب لجدالهم. وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم: رأت عيني وسمعت أذني، أو على حذف مضاف أي على كل ذي قلب متكبر.

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰهَـٰمَـٰنُ ٱبْنِ لِى صَرْحاً } بناء مكشوفاً عالياً من صرح الشيء إذا ظهر. { لَّعَـلّى أَبْلُغُ ٱلأَسْبَـٰبَ } الطرق.

{ أَسْبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } بيان لها أو في إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها. { فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } عطف على { أَبْلُغُ }. وقرأ حفص بالنصب على جواب الترجي ولعله أراد أن يبني له رصداً في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية، فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله إياه، أو إن يرى فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء يتوقف على إطلاعه ووصوله إليه، وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان، وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه. { وَإِنّى لأَظُنُّهُ كَـٰذِباً } في دعوى الرسالة. { وَكَذٰلِكَ } ومثل التزيين، { زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } سبيل الرشاد، والفاعل على الحقيقة هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرىء زين بالفتح وبالتوسط الشيطان. وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو { وَصُدَّ } على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده: { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } أي خسار.

{ وَقَالَ ٱلَّذِى ءَامَنَ } يعني مؤمن آل فرعون. وقيل موسى عليه الصلاة والسلام. { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ } بالدلالة. { سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } سبيلاً يصل سالكه إلى المقصود، وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي.

{ يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ } تمتع يسير لسرعة زوالها. { وَإِنَّ ٱلأَخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } لخلودها.

{ مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا } عدلاً من الله، وفيه دليل على أن الجنايات تغرم بمثلها. { وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافاً مضاعفة فضلاً منه ورحمة، ولعل تقسيم العمال وجعل الجزاء جملة إسمية مصدرة باسم الإِشارة، وتفضيل الثواب لتغليب الرحمة، وجعل العمل عمدة والإِيمان حالاً للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل وأن ثوابه أعلى من ذلك.

{ وَيٰقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ } كرر ندائهم إيقاظاً لهم عن سنة الغفلة واهتماماً بالمنادى له، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه، وعطفه على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأول، فإن ما بعده أيضاً تفسير لما أجمل فيه تصريحاً أو تعريضاً أو على الأول.

{ تَدْعُونَنِى لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ } بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام. { وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ } بربوبيته. { عِلْمٌ } والمراد نفي المعلوم والإِشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان فاعتقادها لا يصح إلا عن إيقان. { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والغلبة وما يتوقف عليه من العلم والإِرادة، والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران.

{ لاَ جَرَمَ } لا رد لما دعوه إليه، و { جَرَمَ } فعل بمعنى حق وفاعله: { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلأَخِرَةِ } أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلاً لأنها جمادات ليس لها ما يقتضي ألوهيتها أو عدم دعوة مستجابة أو عدم استجابة دعوة لها. وقيل { جَرَمَ } بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه أي كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته، وقيل فعل من الجرم بمعنى القطع كما إن بدا من لا بد فعل من التبديد وهو التفريق، والمعنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فتنقلب حقاً، ويؤيده قولهم لا جرم إنه لغة فيه كالرشد والرشد. { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } بالموت. { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ } في الضلالة والطغيان كالإِشراك وسفك الدماء. { هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } ملازموها.

{ فَسَتَذْكُرُونَ } وقرىء { فَسَتَذْكُرُونَ } أي فسيذكر بعضكم بعضاً عند معاينة العذاب. { مَا أَقُولُ لَكُـمْ } من النصيحة. { وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ } ليعصمني من كل سوء. { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } فيحرسهم وكأنه جواب توعدهم المفهوم من قوله:

{ فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } شدائد مكرهم. وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام. { وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ } بفرعون وقومه فاستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك. وقيل بطلبة المؤمن من قومه فإنه فر إلى جبل فاتبعه طائفة فوجدوه يصلي والوحوش حوله صفوفاً فرجعوا رعباً فقتلهم. { سُوءُ ٱلْعَذَابِ } الغرق أو القتل أو النار.

{ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } جملة مستأنفة أو { ٱلنَّارِ } خبر محذوف و { يُعْرَضُونَ } استئناف للبيان، أو بدل و { يُعْرَضُونَ } حال منها، أو من الآل وقرئت منصوبة على الاختصاص أو بإضمار فعل يفسره { يُعْرَضُونَ } مثل يصلون، فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم: عرض الأسارى على السيف إذا قتلوا به، وذلك لأرواحهم كما روى ابن مسعود أن أرواحهم في أجواف طيور سود تعرض على النار بكرة وعشياً إلى يوم القيامة، وذكر الوقتين تحتمل التخصيص والتأييد، وفيه دليل على بقاء النفس وعذاب القبر. { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } أي هذا ما دامت الدنيا فإذا قامت الساعة قيل لهم: { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ } يا آل فرعون. { أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه، أو أشد عذاب جهنم. وقرأ حمزة والكسائي ونافع ويعقوب وحفص { أَدْخِلُواْ } على أمر الملائكة بإدخالهم النار.