التفاسير

< >
عرض

غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
٣
مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ
٤
كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
٥
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٦
ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٨
وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
-غافر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ } صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه، والإِضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص، وأريد بـ { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } مشددة أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس، أو إبدال وجعله وحده بدلاً مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإِفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة، أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد، أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" والتوب مصدر كالتوبة. وقيل جمعاً والطول الفضل بترك العقاب المستحق، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها. { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فيجب الإِقبال الكلي على عبادته. { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } فيجازي المطيع والعاصي.

{ مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله: { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "إن جدالاً في القرآن كفر" بالتنكير مع أنه ليس جدالاً فيه على الحقيقة. { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ } فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال:

{ كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود. { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ } من هؤلاء. { بِرَسُولِهِمْ } وقرىء «برسولها». { لِيَأْخُذُوهُ } ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل من الأخذ بمعنى الأسر. { وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ } بما لا حقيقة له. { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } ليزيلوه به. { فَأَخَذَتْهُمُ } بالإِهلاك جزاء لهم. { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره. وهو تقرير فيه تعجيب.

{ وَكَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ } وعيده أو قضاؤه بالعذاب. { عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بكفرهم. { أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } بدل من كلمة { رَبَّكَ } بدل الكل أو الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى.

{ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجوداً وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسطهم في نفاذ أمره. { يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإِكرام، وجعل التسبيح أصلاً والحمد حالاً لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح أصلاً. { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } أخبر عنهم بالإِيمان إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } وإشعاراً بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء رداً على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة، وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإِيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] { رَبَّنَا } أي يقولون { رَبَّنَا } وهو بيان لـ { يَسْتَغْفِرُونَ } أو حال. { وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها، وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا. { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق. { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد والدلالة على شدة العذاب.

{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ } وعدتهم إياها. { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ } عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم، أو الثاني لبيان عموم الوعد، وقرىء «جنة عدن» و { صَلُحَ } بالضم و «ذريتهم» بالتوحيد. { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } الذي لا يمتنع عليه مقدور. { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد. { وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ } العقوبات أو جزاء السيئات، وهو تعميم بعد تخصيص، أو تخصيص بمن { صلح } أو المعاصي في الدنيا لقوله: { وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب. { وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما.