التفاسير

< >
عرض

فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
١٢
فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
١٣
إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
١٤
فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
١٥
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٧
وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ
١٨
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
-فصلت

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } فخلقهن خلقاً إبداعياً وأتقن أمرهن، والضمير لـ { ٱلسَّمَاء } على المعنى أو مبهم، و { سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } حال على الأول وتمييز على الثاني. { فِى يَوْمَيْنِ } قيل خلق السموات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة. { وَأَوْحَىٰ فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا } شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختياراً أو طبعاً. وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره ونواهيه. { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَاءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ } فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها. { وَحِفْظاً } أي وحفظناها من الآفات، أو من المسترقة حفظاً. وقيل مفعول له على المعنى كأنه قال: وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظاً. { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } البالغ في القدرة والعلم.

{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ } عن الإِيمان بعد هذا البيان. { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً } فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة. { مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } وقرىء «صعقة مثل صعقة عاد وثمود» وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقته الصاعقة صعقاً فصعق صعقاً.

{ إِذْ جَاءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ } حال من { صَـٰعِقَةِ عَادٍ }، ولا يجوز جعله صفة لـ { صَـٰعِقَةُ } أو ظرفاً لـ { أَنذَرْتُكُمْ } لفساد المعنى. { مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة، أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة، وكل من اللفظين يحتملهما، أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإِيمان بهم أجمعين، ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى: { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ } [النحل: 112] { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا. { قَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا } إرسال الرسل. { لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } برسالته. { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } على زعمكم. { كَـٰفِرُونَ } إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لَكُمْ علينا.

{ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } فتعظموا فيها على أهلها من غير استحقاق. { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } اغتراراً بقوتهم وشوكتهم. قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده. { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى، قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره. { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على { فَٱسْتَكْبَرُواْ }.

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع، أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير. { فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } جمع نحسة من نحس نحساً نقيص سعد سعداً، وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل، أو الوصف بالمصدر قيل كان آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء. { لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } أضاف الـ { عَذَابِ } إلى { ٱلْخِزْىُ } وهو الذل على قصد وصفة به لقوله: { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَخْزَىٰ } وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإِسناد المجازي للمبالغة. { وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } بدفع العذاب عنهم.

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل، وقرىء { ثَمُودَ } بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنوناً في الحالين وبضم الثاء. { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } فاختاروا الضلالة على الهدى. { فَأَخَذَتْهُمْ صَـٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } صاعقة من السماء فأهلكتهم، وإضافتها إلى { ٱلْعَذَابَ } ووصفه بـ { ٱلْهُونِ } للمبالغة. { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من اختيار الضلالة.

{ وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } من تلك الصاعقة.

{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ } وقرىء« يَحْشُرُ» على البناء للفاعل وهو الله عز وجل. وقرأ نافع« نَحْشُرُ» بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب { أَعْدَاء }. { فَهُمْ يُوزَعُونَ } يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار.

{ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاؤُوهَا } إذا حضروها و { مَا } مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور. { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بأن ينطقها الله تعالى، أو يظهر عليها آثاراً تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال.

{ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } سؤال توبيخ أو تعجب، ولعل المراد به نفس التعجب. { قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ } أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء، أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي، ولو أول الجواب والنطق بدلالة الحال بقي الشيء عاماً في الموجودات الممكنة. { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافاً.

{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها. وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب. { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ } فلذلك اجترأتم على ما فعلتم.