التفاسير

< >
عرض

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٦
وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
٣٧
فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ
٣٨
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ
٤١
لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
٤٢
مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ
٤٣
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٤٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
٤٥
-فصلت

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإِنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ، وجعل النزغ نازغاً على طريقة جديدة، أو أريد به نازغ وصفاً للشيطان بالمصدر. { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } من شره ولا تطعه. { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لاستعاذتك. { ٱلْعَلِيمُ } بنيتك أو بصلاحك.

{ وَمِنْ ءايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم. { وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ } الضمير للأربعة المذكورة، والمقصود تعليق الفعل بهما إشعاراً بأنهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار. { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به، وعند أبي حنيفة آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى.

{ فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ } عن الامتثال. { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ } من الملائكة. { يُسَبّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي دائماً لقوله: { وَهُمْ لاَ يَسْـئَمُونَ } أي لا يملون.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَـٰشِعَةً } يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل. { فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } تزخرفت وانتفخت بالنبات، وقرىء «ربأت» أي زادت. { إِنَّ ٱلَّذِى أَحْيَـٰهَا } بعد موتها. { لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } من الإِحياء والإِماتة.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ } يميلون عن الاستقامة. { فِي ءَايَاتِنَا } بالطعن والتحريف والتأويل الباطل والإِلغاء فيها. { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } فنجازيهم على إلحادهم. { أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَن يَأَتِي آمِناً يَوْمَ القِيَامَةِ } قابل الإِلقاء في النار بالإِتيان آمناً مبالغة في إحماد حال المؤمنين. { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } تهديد شديد. { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وعيد بالمجازاة.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ } بدل من قوله:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَـٰتِنَا } أو مستأنف وخبر { إِن } محذوف مثل معاندون أو هالكون، أو { أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ } و «الذكر» القرآن. { وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ } كثير النفع عديم النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله وتحريفه.

{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات أو مما فيه من الأخبار الماضية والأمور الآتية. { تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ } أي حكيم. { حَمِيدٍ } يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.

{ مَّا يُقَالُ لَكَ } أي ما يقول لك كفار قومك. { إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم، ويجوز أن يكون المعنى ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم. { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ } لأنبيائه. { وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } لأعدائهم، وهو على الثاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى أن حاصل ما أوحي إليك وإليهم، وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة.

{ وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً أعْجَمِيّاً } جواب لقولهم: هلا أنزل القرآن بلغة العجم والضمير «للذكر». { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } بينت بلسان نفقهه. { ءأَعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ } أكلام أعجمي ومخاطب عربي إنكار مقرر للتخصيص، والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه. وهذا قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي، وقرأ قالون وأبو عمرو بالمد والتسهيل وورش بالمد وإبدال الثانية ألفاً، وابن كثير وابن ذكوان وحفص بغير المد بتسهيل الثانية وقرىء «أعجمي» وهو منسوب إلى العجم، وقرأ هشام «أعجمي» على الإِخبار، وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجمياً لإِفهام العجم وبعضها عربياً لإِفهام العرب، والمقصود إبطال مقترحهم باستلزامه المحذور، أو للدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت في الآيات كيف جاءت. { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى } إلى الحق. { وَشِفَاءٌ } لما في الصدور في الشك والشبه { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ خبره. { فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ } على تقدير هو في { آذَانِهِمْ وَقْرٌ } لقوله: { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } وذلك لتصامهم عن سماعه وتعاميهم عما يريهم من الآيات، ومن جوز العطف على عاملين مختلفين عطف ذلك على { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى }. { أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي صم، وهو تمثيل لهم في عدم قبولهم الحق واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة.

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } بالتصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ، أو تقدير الآجال. { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } باستئصال المكذبين. { وَإِنَّهُمْ } وإن اليهود أو { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }. { لَفِى شَكّ مّنْهُ } من التوراة أو القرآن. { مُرِيبٌ } موجب للاضطراب.