التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
عۤسۤقۤ
٢
كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ
٤
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ
٦
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ
٧
وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٨
أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٩
وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
١٠
-الشورى

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية وهي ثلاث وخمسون آية وتسمى سورة «الشورى»

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حَـمَ }. { عَسَقَ } لعله اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين، وإن كانا اسماً واحداً فالفصل ليطابق سائر الحواميم، وقرىء «حم سق».

{ كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي مثل ما في هذه السورة من المعاني، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى الله إليك وإلى الرسل من قبلك، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته، وقرأ ابن كثير « يُوحَى» بالفتح على أن كذلك مبتدأ و «يُوحَى» خبره المسند إلى ضميره، أو مصدر و «يُوحَى» مسند إلى إليك، و { ٱللَّهُ } مرتفع بما دل عليه « يُوحَى»، و { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة، أو بالابتداء كما في قراءة «نوحي» بالنون و { ٱلْعَزِيزُ } وما بعده أخبار أو { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان. وقوله:

{ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ } خبران له وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرر لعزته وحكمته.

{ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } وقرأ نافع والكسائي بالياء. { يَتَفَطَّرْنَ } يتشققن من عظمة الله، وقيل من ادعاء الولد له. وقرأ البصريان وأبو بكر «ينفطرن» بالنون والأول أبلغ لأنه مطاوع فطر وهذا مطاوع فطر، وقرىء «تتفطرن» بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر. { مِن فَوْقِهِنَّ } أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية، وتخصيصها على الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على علو شأنه من تلك الجهة، وعلى الثاني ليدل على الانفطار من تحتهن بالطريق الأولى. وقيل الضمير للأرض فإن المراد بها الجنس. { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ } بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإِلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة، وذلك في الجملة يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد، وحيث خص بالمؤمنين فالمراد به الشفاعة. { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } إذ ما من مخلوق إلا وهو ذو حظ من رحمته، والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته وعلى الثاني دلالة على تقدسه عما نسب إليه، وإن عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفران الله ورحمته.

{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } شركاء وأنداداً. { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها. { وَمَا أَنتَ } يا محمد. { عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم.

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } الإِشارة إلى مصدر { يُوحِى } أو إلى معنى الآية المتقدمة، فإنه مكرر في القرآن في مواضع جمة فتكون الكاف مفعولاً به و { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } حال منه. { لّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } أهل أم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى. { وَمَنْ حَوْلَهَا } من العرب. { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } يوم القيامة يجمع فيه الخلائق أو الأرواح أو الأشباح، أو العمال والأعمال وحذف ثاني مفعول الأول وأول مفعولي الثاني للتهويل وإيهام التعميم، وقرىء «لينذر» بالياء والفعل «للقرآن». { لاَ رَيْبَ فِيهِ } اعتراض لا محل له من الإعراب. { فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ } أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أولاً ثم يفرقون، والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه، وقرئا منصوبين على الحال منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين بمعنى مشارفين للتفرق، أو متفرقين في داري الثواب والعقاب.

{ وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } مهتدين أو ضالين. { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِى رَحْمَتِهِ } بالهداية والحمل على الطاعة. { وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُمْ مّن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه، ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإِنذار.

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ } بل اتخذوا. { مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } كالأصنام. { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ } جواب لشرط محذوف مثل إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق. { وَهُوَ يُحْيِى ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } كالتقرير لكونه حقيقاً بالولاية.

{ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ } أنتم والكفار. { فِيهِ مِن شَىْءٍ } من أمر من أمور الدنيا أو الدين. { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } مفوض إليه يميز المحق من المبطل بالنصر أو بالإثابة والمعاقبة. وقيل { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ } من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله. { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في مجامع الأمور. { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } إليه أرجع في المعضلات.