بسم الله الرحمن الرحيم {حـم تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ} إن جعلت {حـم} مبتدأ خبره {تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } احتجت إلى إضمار مثل ذلك {تَنزِيلُ} {حـم}، وإن جعلتها تعديداً للحروف كان {تَنزِيلُ} مبتدأ خبره: {مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ} وقيل {حـم} مقسم به و {تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ} صفته وجواب القسم:
{إِنَّ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ لأَيَـٰتٍ لّلْمُؤْمِنِينَ} وهو يحتمل أن يكون على ظاهره وأن يكون المعنى إن في خلق السمٰوات لقوله:
{وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ} وَلاَ يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين، فإن بثه وتنوعه واستجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار. {ءَايَاتٍ لِقَوْمٍ يُوقنُونَ} محمول على محل إن واسمها، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب حملاً على الاسم.
{وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَّن رِزْقٍ} من مطر وسماه رزقاً لأنه سببه. {فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها. {وَتَصْرِيفِ ٱلرّيَاحِ} باختلاف جهاتها وأحوالها، وقرأ حمزة والكسائي «وتصريف الريح». {آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء، أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب {آيات} على الاختصاص أو يرفع بإضمار هي، ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور.
{تِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ } أي تلك الآيات دلائله {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } حال عاملها معنى الإِشارة. {بِٱلْحَقّ } ملتبسين به أو ملتبسة به. {فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ تُؤمِنُونَ} أي بعد {آيات اللهِ }، وتقديم اسم {ٱللَّهِ } للمبالغة والتعظيم كما في قولك أعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث {ٱللَّهِ } وهو[في] القرآن كقوله تعالى:
{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } [الزمر: 23] و {ءايَـٰتُهُ} دلائله المتلوة أو القرآن، والعطف لتغاير الوصفين. وقرأ الحجازيان وحفص وأبو عمرو وروح {يُؤْمِنُونَ } بالياء ليوافق ما قبله. {وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ} كذاب. {أَثِيمٍ } كثير الآثام.
{يَسْمَعُ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ} يقيم على كفره. {مُسْتَكْبِراً} عن الإِيمان بالآيات و {ثُمَّ } لاستبعاد الإِصرار بعد سماع الآيات كقوله:
يَرَى غَمَرات ثُمَّ يَزُورهَا
{كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} أي كأنه فخففت وحذف ضمير الشأن والجملة في موضع الحال، أي يصر مثل غير السامع. {فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } على إصراره والبشارة على الأصل أو التهكم. {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءايَـٰتِنَا شَيْئاً } وإذا بَلغه شيء من {ءايَـٰتِنَا } وعلم أنه منها. {ٱتَّخَذَهَا هُزُواً } لذلك من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء، والضمير لـ {ءايَـٰتِنَا } وفائدته الإِشعار بأنه إذا سمع كلاماً وعلم أنه من الآيات بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على ما سمعه، أو لشيء لأنه بمعنى الآية. {أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }.
{مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ } من قدامهم لأنهم متوجهون إليها، أو من خلفهم لأنها بعد آجالهم. {وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم } ولا يدفع عنهم. {مَّا كَسَبُواْ} من الأموال والأولاد. {شَيْئاً} من عذاب الله. {وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء } أي الأصنام. {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } لا يتحملونه.
{هَـٰذَا هُدًى} الإِشارة إلى القرآن ويدل عليه قوله: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ } وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص برفع {أَلِيمٌ } والـ {رِجْزَ } أشد العذاب.
{ٱللَّهُ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ } بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه. {لِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } بتسخيره وأنتم راكبوها. {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } التجارة والغوص والصيد وغيرها. {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } هذه النعم.