التفاسير

< >
عرض

وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢٠
وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً
٢١
وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
٢٢
سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً
٢٣
وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً
٢٤
هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
٢٥
إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً
٢٦
لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً
٢٧
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً
٢٨
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٢٩
-الفتح

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة. { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني مقام خيبر. { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان، أو أيدي قريش بالصلح. { وَلِتَكُونَ } هذه الكفة أو الغنيمة. { آيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان، أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية، أو وعد المغانم أو عنواناً لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة لـ { كَفَّ }، أو «عجل» مثل لتسلموا، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك. { وَيَهْدِيَكُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه.

{ وَأُخْرَىٰ } ومغانم أخرى معطوفة على هذه، أو منصوبة بفعل يفسره { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } مثل قضى، ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب. { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } بعد لما كان فيها من الجولة. { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيراً } لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء.

{ وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } من أهل مكة ولم يصالحوا. { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَـٰرَ } لانهزموا. { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً } يحرسهم. { وَلاَ نَصِيراً } ينصرهم.

{ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } أي سنَّ غُلَّبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى: { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } [المجادله: 21] { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } تغييراً.

{ وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } أي أيدي كفار مكة. { وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } في داخل مكة. { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } أظهركم عليهم، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد. وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله. { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من مقاتلتهم أولاً طاعة لرسوله وكفهم ثانياً لتعظيم بيته، وقرأ أبو عمرو بالياء { بَصِيراً } فيجازيهم عليه.

{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } يدل على أن ذلك كان عام الحديبية، والهدي ما يهدى إلى مكة. وقرىء { ٱلْهَدْيِ } وهو فعيل بمعنى مفعول، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانه الذي لا يجوز أن ينحر في غيره، وإلا لما نحره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم. { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين. { أَن تطؤهم } أن توقعوا بهم وتبيدهم قال:

وَوَطَئْتْنَا وَطْأْ عَلَى حَنَق وَطْءَ المُقَيَّدِ ثَابِت الهَرَمِ

وقال عليه الصلاة والسلام "إن آخر وطأة وطئها الله بوج" وهو وادٍ بالطائف كان آخر وقعة للنبي صلى الله عليه وسلم بها، وأصله الدوس وهو بدل الاشتمال من { رِجَالٌ } { وَنِسَاء } أو من ضميرهم في { تَعْلَمُوهُمْ }. { فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ } من جهتهم. { مَّعَرَّةٌ } مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم وللتأسف عليهم، وتعيير الكفار بذلك والإِثم بالتقصير في البحث عنهم مفعلة عن عره إذا أعراه ما يكرهه. { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بـ { أَن تَطَؤُهُمْ } أي تطؤوهم غير عالمين بهم، وجواب { لَوْلاَ } محذوف لدلالة الكلام عليه، والمعنى { لَوْلاَ } كراهة أن تهلكوا أناساً مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم يصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم. { لّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ } علة لما دل عليه كف الأيدي عن أهل مكة صوناً لمن فيها من المؤمنين، أي كان ذلك ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير أو للإِسلام. { مَن يَشَآء } من مؤمنيهم أو مشركيهم. { لَوْ تَزَيَّلُواْ } لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض، وقرىء «تزايلوا». { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } بالقتل والسبي.

{ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مقدر باذكر أو ظرف { لَعَذَّبْنَا } أو { صَدُّوكُمْ }. { فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ } الأنفة. { حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } التي تمنع إذعان الحق. { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي «أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام، فأجابهم وكتبوا بينهم كتاباً، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: اكتب ما يريدون" فَهَمَّ المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا. { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة الـ { كَلِمَةَ } إلى { ٱلتَّقْوَىٰ } لأنها سببها أو كلمة أهلها. { وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا } من غيرهم. { وَأَهْلُهَا } والمستأهلين لها. { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً } فيعلم أهل كل شيء وييسره له.

{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا } رأى عليه الصلاة والسلام أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أن ذلك يكون في عامهم، فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه. { بِٱلْحَقّ } ملتبساً به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل، ويجوز أن يكون { بِٱلْحَقّ } صفة مصدر محذوف أي صدقاً ملتبساً { بِٱلْحَقّ } وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإِيمان والمتزلزل فيه، وأن يكون قسماً إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله: { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف. { إِن شَاءَ ٱللَّهُ } تعليق للعدة. بالمشيئة تعليماً للعباد، أو إشعاراً بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه. { ءامِنِينَ } حال من الواو والشرط معترض. { مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ } أي محلقاً بعضكم ومقصراً آخرون. { لاَ تَخَـٰفُونَ } حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك. { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } من الحكمة في تأخير ذلك. { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة. { فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود.

{ هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } ملتبساً به أو بسببه أو لأجله. { وَدِينِ ٱلْحَقّ } وبدين الإِسلام. { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقاً وإظهار فساد ما كان باطلاً، أو بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح. { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } على أن ما وعده كائن أو على نبوته بإظهار المعجزات.

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } جملة مبينة للمشهود به، ويجوز أن يكون { رَسُولِ ٱللَّهِ } صفة و { مُحَمَّدٌ } خبر محذوف أو مبتدأ: { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } معطوف عليه وخبرهما. { أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } و { أَشِدَّاء } جمع شديد و { رُحَمَاء } جمع رحيم، والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله: { { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } [المائدة: 54] { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم. { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } الثواب والرضا. { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة السجود، فعلى من سامه إذا أعلمه وقد قرئت ممدودة و { مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } بيانها أو حال من المستكن في الجار. { ذٰلِكَ } إشارة إلى الوصف المذكور. أو إشارة مبهمة يفسرها { كَزَرْعٍ }. { مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها. { وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ } عطف عليه أن ذلك مثلهم في الكتابين وقوله: { كَزَرْعٍ } تمثيل مستأنف أو تفسير أو مبتدأ و { كَزَرْعٍ } خبره. { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ، وقرأ ابن كثير وابن عامر برواية ابن ذكوان { شَطْأَهُ } بفتحات وهو لغة فيه، وقرىء «شطاه» بتخفيف الهمزة و «شطاءه» بالمد و «شطه» بنقل حركة الهمزة وحذفها و «شطوه» بقلبها واواً. { فَآزَرَهُ } فقواه من المؤازرة وهي المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان { فَأزَرَهُ } كأجره في آجره. { فَٱسْتَغْلَظَ } فصار من الدقة إلى الغلظ. { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } فاستقام على قصبه جمع ساق، وعن ابن كثير «سؤقه» بالهمزة. { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره، وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة قلوا في بدء الإِسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس. { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه أو لقوله: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } فإن الكفار لما سمعوه غاظهم ذلك ومنهم للبيان. عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد عليه الصلاة والسلام فتح مكة" .