التفاسير

< >
عرض

وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
١٤
أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
١٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ
١٦
إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ
١٧
مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
١٨
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
١٩
وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ
٢٠
وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ
٢١

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَأَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } سبق في «الحجر» و« الدخان» { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } أي كل واحد أو قوم منهم أو جميعهم، وإفراد الضمير لإِفراد لفظه. { فَحَقَّ وَعِيدِ } فوجب وحل عليه وعيدي، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم.

{ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } أي أفعجزنا عن الإِبداء حتى نعجز عن الإِعادة، من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله والهمزة فيه للإِنكار. { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط، وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة، وتنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه والإِشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } ما تحدثه به نفسه وهو ما يخطر بالبال، والوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي، والضمير لما إن جعلت موصولة والباء مثلها في صوت بكذا، أو لـ { ٱلإِنسَـٰنَ } إن جعلت مصدرية والباء للتعدية. { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه { مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }، تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبة و { حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } مثل في القرب قال:

والموت أدنى من الوريد

والـ { حَبْلِ } العرق وإضافته للبيان، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها بالوتين يردان من الرأس إليه، وقيل سمي وريداً لأن الروح ترده.

{ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ } مقدر باذكر أو متعلق بـ { أَقْرَبُ }، أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما، لكنه لحكمة اقتضته وهي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية، وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء وإلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد. { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ } أي { عَنِ ٱلْيَمِينِ } قعيد { وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ }، أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله

:

فإني وقيار بها لغريب

وقد يطلق الفعل للواحد والمتعدد كقوله تعالى { وَالْمَلَـئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ }

[التحريم: 4] { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } ما يرمي به من فيه. { إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } ملك يرقب عمله. { عَتِيدٌ } معد حاضر، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث "كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر"

{ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ } لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة، ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك: جاء زيد بعمرو. والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق، أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء، فإن الإِنسان خلق له أو مثل الباء في { { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون: 20] وقرىء «سكرة الحق بالموت» على أنها لشدتها اقتضت الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به، أو على أن الباء بمعنى مع. وقيل { سَكْرَةُ ٱلْحَقّ } سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل. وقرىء «سكرات الموت». { ذٰلِكَ } أي الموت. { مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } تميل وتنفر عنه والخطاب للإِنسان.

{ وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } يعني نفخة البعث. { ذَلِكَ يَوْمَ ٱلْوَعِيدِ } أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه والإِشارة إلى مصدر { نُفِخَ }.

{ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله، أو ملك جامع للوصفين. وقيل السائق كاتب السيئات، والشهيد كاتب الحسنات. وقيل السائق نفسه أو قرينه والشهيد جوارحه أو أعماله، ومحل { مَّعَهَا } النصب على الحال من كل لإِضافته إلى ما هو في حكم المعرفة.