{ لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا } على إضمار القول والخطاب { لِكُلّ نَفْسٍ } إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكافر. { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ } الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة، والانهماك في المحسوسات والإِلف بها وقصور النظر عليها. { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } نافذ لزوال المانع للأبصار. وقيل الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمعنى: كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن، { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون. ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس.
{ وَقَالَ قَرِينُهُ } قال الملك الموكل عليه. { هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي، أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي وإضلالي، و { مَا } إن جعلت موصوفة فـ { عَتِيدٌ } صفتها وإن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف.
{ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ } خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد، أو الملكين من خزنة النار، أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله:
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِر وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمٍ عِرْضاً مُمنعاً
أَو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، ويؤيده أنه قرىء «ألقين» بالنون الخفيفة. { عَنِيدٍ } معاند للحق. { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ } كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة. وقيل المراد بالخير الإِسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه. { مُعْتَدٍ } متعد. { مُرِيبٍ } شاك في الله وفي دينه.
{ ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره. { فَأَلْقِيَـٰهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } أو بدل من { كُلَّ كَفَّارٍ } فيكون { فَأَلْقِيَـٰهُ } تكريراً للتوكيد، أو مفعول لمضمر يفسره { فَأَلْقِيَـٰهُ }.
{ قَالَ قرِينُهُ } أي الشيطان المقيض له، وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه. { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } كأن الكافر قال هو أطغاني فـ { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه: { وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلاً إلى الفجور كما قال تعالى:
{ { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى } [إبراهيم: 22] { قَالَ } أي الله تعالى. { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه، وهو استئناف مثل الأول. { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة. وهو حال تعليل للنهي أي { لاَ تَخْتَصِمُواْ } عالمين بأني أوعدتكم، والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم، ويجوز أن يكون { بِٱلْوَعِيدِ } حالاً والفعل واقعاً على قوله:
{ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي. وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد. { وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } فأعذب من ليس لي تعذيبه.
{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجاً فوجاً حتى تمتلىء لقوله تعالى:
{ لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ } [الأعراف: 18] أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ، أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم. وقرأ نافع وأبو بكر يقول بالباء والـ { مَّزِيدٍ } إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع، و { يَوْمٍ } مقدر باذكر أو ظرف لـ { نُفِخَ } فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف.