التفاسير

< >
عرض

وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
٣١
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢
مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ
٣٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
٣٨
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ
٣٩
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ
٤٠

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } قربت لهم. { غَيْرَ بَعِيدٍ } مكاناً غير بعيد، ويجوز أن يكون حالاً وتذكيره لأنه صفة محذوف، أو شيئاً غير بعيد أو على زنة المصدر أو لأن الجنة بمعنى البستان.

{ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } على إضمار القول والإِشارة إلى الثواب أو مصدر { أُزْلِفَتْ }. وقرأ ابن كثير بالياء. { لِكُلّ أَوَّابٍ } رجاع إلى الله تعالى، بدل من «المتقين» بإعادة الجار. { حَفِيظٌ } حافظ لحدوده.

{ مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } بعد بدل أو بدل من موصوف { أَوَّابٌ }، ولا يجوز أن يكون في حكمه لأن { مِنْ } لا يوصف به أو مبتدأ خبره.

{ ٱدْخُلُوهَا } على تأويل يقال لهم { ٱدْخُلُوهَا }، فإن من بمعنى الجمع وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول، أو صفة لمصدر أي خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب، أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد. وتخصيص { ٱلرَّحْمَـٰنُ } للإِشعار بأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، أو بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته، ووصف القلب بالإِنابة إذ الاعتبار برجوعه إلى الله. { بِسَلامٍ } سالمين من العذاب وزوال النقم، أو مسلماً عليكم من الله وملائكته. { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } يوم تقدير الخلود كقوله تعالى: { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ }

[الزمر: 73] { لَهُمْ مَّا يَشَآءونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ } قبل قومك. { مّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } قوة كعاد وثمود وفرعون. { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } فخرقوا في البلاد وتصرفوا فيها، أو جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت، فالفاء على الأول للتسبب وعلى الثاني لمجرد التعقيب، وأصل التنقيب التنقير عن الشيء والبحث عنه. { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي لهم من الله أو من الموت. وقيل الضمير في { نَقَّبُوا } لأهل مكة أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيصاً حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم، ويؤيده أنه قرىء « فَنَقَّبُواْ» على الأمر، وقرىء «فَنَقَّبُواْ » بالكسر من النقب وهو أن ينتقب خف البعير أي أكثروا السير حتى نقبت أقدامهم أو أخفاف مراكبهم.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } فيما ذكر في هذه السورة. { لِذِكْرِى } لتذكرة. { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي قلب واع يتفكر في حقائقه. { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أي أصغى لاستماعه. { وَهُوَ شَهِيدٌ } حاضر بذهنه ليفهم معانيه، أو شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره، وفي تنكير الـ { قَلْبٌ } وإبهامه تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر كلا قلب.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ } مر تفسيره مراراً. { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } من تعب وإعياء، وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش.

{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } ما يقول المشركون من إنكارهم البعث، فإن من قدر على خلق العالم بلا عياء قدر على بعثهم والانتقام منهم، أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه. { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } ونزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامداً له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها. { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين.

{ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } أي وسبحه بعض الليل. { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } وأعقاب الصلوات جمع دبر من أدبر، وقرأ الحجازيان وحمزة وخلف بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت. وقيل المراد بالتسبيح الصلاة، فالصلاة قبل طلوع الصبح وقبل الغروب: الظهر، والعصر. ومن الليل: العشاءان، والتهجد وأدبار السجود النوافل بعد المكتوبات. وقيل الوتر بعد العشاء.