التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
٤٧
وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ
٤٨
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٤٩
فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥١
كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٥٢
أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٥٣
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ
٥٤
وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥٥
وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
٥٦
مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ
٥٧
إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ
٥٨
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ
٥٩
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٦٠
-الذاريات

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَٱلسَّمَاءَ بَنَيْنَـٰهَا بِأَيْدٍ } بقوة. { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق. أو { لَمُوسِعُونَ } السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق.

{ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا } مهدناها لتستقروا عليها. { فَنِعْمَ ٱلْمَـٰهِدُونَ } أي نحن.

{ وَمِن كُلّ شَىْء } من الأجناس. { خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } نوعين { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام.

{ فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ } من عقابه بالإِيمان والتوحيد وملازمة الطاعة. { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ } أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى. { نَذِيرٌ مُّبِينٌ } بين كونه منذراً من الله بالمعجزات، أو { مُّبِينٌ } ما يجب أن يحذر عنه.

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } إفراد لأعظم ما يجب أن يفر منه. { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } تكرير للتأكيد، أو الأول مرتب على ترك الإِيمان والطاعة والثاني على الإِشراك.

{ كَذٰلِكَ } أي الأمر مثل ذلك، والإِشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه { ساحراً أو مجنوناً } وقوله: { مَا أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } كالتفسير له، ولا يجوز نصبه بـ { أَتَىٰ } أو ما يفسره لأن ما بعد { مَا } النافية لا يعمل فيما قبلها.

{ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول حتى قالوه جميعاً. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَـٰغُونَ } إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.

{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } فاعرض عن مجادلتهم بعدما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإِصرار والعناد. { فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ } على الإِعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.

{ وَذَكَرَ } ولا تدع التذكير والموعظة. { فَإِنَّ ٱلذّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة.

{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها، جعل خلقهم مُغيابها مبالغة ذلك، ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله: { { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } [الأعراف: 179] وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عباداً لي.

{ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به، والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله: { { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً }

[الأنعام: 90] { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق، وفيه إيماء باستغنائه عنه، وقرىء «إني أنا الرزاق» { ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } شديد القوة، وقرىء { ٱلْمَتِينُ } بالجر صفة لـ { ٱلْقُوَّةِ }.

{ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً } أي للذين ظلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب نصيباً من العذاب. { مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَـٰبِهِمْ } مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء. { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } جواب لقولهم: { { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }

[يونس: 48] { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } من يوم القيامة أو يوم بدر. عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا" .