التفاسير

< >
عرض

إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ
١٦
مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ
١٧
لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ
١٨
أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ
١٩
وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٢٠
أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ
٢١
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ
٢٢
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
٢٤
فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ
٢٥
-النجم

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عد، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها.

{ مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } ما مال بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه. { وَمَا طَغَىٰ } وما تجاوزه بل أثبته إثباتاً صحيحاً مستيقناً، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها.

{ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءايَـٰتِ رَبّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } أي والله لقد رأى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما { رَأَىٰ }. ويجوز أن تكون { ٱلْكُبْرَىٰ } صفة للـ{ ءايَـٰتُ } على أن المفعول محذوف أي شيئاً من آيات ربه أو { مِنْ } مزيدة.

{ أَفَرَءيْتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأَخْرَىٰ } هي أصنام كانت لهم، فاللات كانت لثقيف بالطائف أو لقريش بنخلة وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها أي يطوفون. وقرأ هبة الله عن البزي ورويس عن يعقوب«ٱللَّـٰتَ» بالتشديد على أنه سمي به لأنه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج. { وَٱلْعُزَّىٰ } بالتشديد سمرة لغطفان كانوا يعبدونها فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، وأصلها تأنيث الأعز { وَمَنَوٰةَ } صخرة كانت لهذيل وخزاعة أو لثقيف وهي فعلة من مناه إذا قطعه فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى. وقرأ ابن كثير { مناة } وهي مفعلة من النوء فإنهم كانوا يستمطرون الأنواء عندها تبركاً بها، وقوله { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأَخْرَىٰ } صفتان للتأكيد كقوله تعالى: { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38] أو { ٱلأَخْرَىٰ } من التأخر في الرتبة.

{ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ } إنكار لقولهم الملائكة بنات الله، وهذه الأصنام استوطنها جنيات هن بناته، أو هياكل الملائكة وهو المفعول الثاني لقوله { أَفَرَءيْتُمُ }.

{ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } جائرة حيث جعلتم له ما تستنكفون منه وهي فعلى من الضيز وهو الجور، لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل في بيض فإن فعلى بالكسر لم تأت وصفاً. وقرأ ابن كثير بالهمز من ضأزه إذا ظلمه على أنه مصدر نعت به.

{ إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاء } الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية، أو للصفة التي تصفونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء، أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها، والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين. { سَمَّيْتُمُوهَا } سميتم بها.

{ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ } بهواكم. { مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } برهان تتعلقون به. { إِن يَتَّبِعُونَ } وقرىء بالتاء. { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليداً وتوهماً باطلاً. { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } وما تشتهيه أنفسهم. { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } الرسول أو الكتاب فتركوه.

{ أَمْ لِلإنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ } { أَمْ } منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإِنكار، والمعنى ليس له كل ما يتمناه والمراد نفي طمعهم في شفاعة الآلهة وقولهم: { { لَئِنْ رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50] وقوله: { { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] ونحوهما.

{ فَلِلَّهِ ٱلأخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } يعطي منهما ما يشاء لمن يريد وليس لأحد أن يتحكم عليه في شيء منهما.