التفاسير

< >
عرض

ٱلرَّحْمَـٰنُ
١
عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ
٢
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ
٣
عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ
٤
ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ
٥
وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ
٦
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ
٧
أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ
٨
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
٩
وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ
١٠
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ
١١
وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ
١٢
-الرحمن

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية او مدنية او متبعضة وآيها ثمان وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والآخروية صدرها بـ { ٱلرَّحْمَـٰنُ }، وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوعي وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصداق لها، ثم اتبعه قوله:

{ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان، وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع، وإخلاء الجمل الثلاث التي هي أخبار مترادفة لـ { ٱلرَّحْمَـٰنُ } عن العاطف لمجيئها على نهج التعديد.

{ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما، وتتسق بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات، ويعلم السنون والحساب.

{ وَٱلنَّجْمِ } والنبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له. { وَٱلشَّجَرُ } الذي له ساق. { يَسْجُدَانِ } ينقادان لله تعالى فيما يريد بهما طبعاً انقياد الساجد من المكلفين طوعاً، وكان حق النظم في الجملتين أن يقال: وجرى الشمس والقمر، وأسجد النجم والشجر. أو { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }، والنجم والشجر يسجدان له، ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتصالهما بـ { ٱلرَّحْمَـٰنُ }، لكنهما جردتا عما يدل على الاتصال إشعاراً بأن وضوحه يغنيه عن البيان، وإدخال العاطف بينهما لاشتراكهما في الدلالة على أن ما يحس به من تغيرات أحوال الأجرام العلوية والسفلية بتقديره وتدبيره.

{ وَٱلسَّمَاءَ رَفَعَهَا } خلقها مرفوعة محلاً ومرتبة، فإنها منشأ أقضيته ومتنزل أحكامه ومحل ملائكته، وقرىء بالرفع على الابتداء. { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } العدل بأن وفر على كل مستعد مستحقه، ووفى كل ذي حق حقه حتى انتظم أمر العالم واستقام كما قال عليه السلام "بالعدل قامت السموات والأرض" أو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما، كأنه لما وصف السماء بالرفعة من حيث إنها مصدر القضايا والإقرار أراد وصف الأرض بما فيها مما يظهر به التفاوت ويعرف به المقدار ويسوى به الحقوق والمواجب.

{ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ } لئلا تطغوا فيه أي لا تعتدوا ولا تجاوزوا الانصاف، وقرىء «لا تطغوا» على إرادة القول.

{ وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } ولا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه، وتكريره مبالغة في التوصية به وزيادة حث على استعماله، وقرىء «وَلاَ تُخْسِرُواْ» بفتح التاء وضم السين وكسرها، و« تُخْسِرُواْ» بفتحها على أن الأصل { وَلاَ تُخْسِرُواْ } في { ٱلْمِيزَانَ } فحذف الجار وأوصل الفعل.

{ وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا } خفضها مدحوة. { لِلأَنَامِ } للخلق. وقيل الأنام كل ذي روح.

{ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ } ضروب مما يتفكه به. { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلاْكْمَامِ } أوعية التمر جمع كم، أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفري فإنه ينتفع به كالمكموم كالجذع والجمار والتمر.

{ وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ } كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به، و { ٱلْعَصْفِ } ورق النبات اليابس كالتين. { وَٱلرَّيْحَانُ } يعني المشموم، أو الرزق من قولهم: خرجت أطلب ريحان الله، وقرأ ابن عامر «والحب ذا العصف والريحان» أي وخلق الحب والريحان أو وأخص، ويجوز أن يراد وذا الريحان فحذف المضاف، وقرأ حمزة والكسائي «والريحان» بالخفض ما عدا ذلك بالرفع، وهو فيعلان من الروح فقلبت الواو ياء وأدغم ثم خفف، وقيل «روحان» فقلبت واوه ياء للتخفيف.