التفاسير

< >
عرض

ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ
٢٠
سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢١
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٢٢
لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
٢٣
ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٤
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
-الحديد

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلأَمْوٰلِ وَٱلأوْلْـٰدِ } لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل، بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جداً إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة، ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة، وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد، ثم قرر ذلك بقوله: { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها يحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً، ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله: { وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } تنفيراً عن الانهماك في الدنيا وحثاً على ما يوجب كرامة العقبى، ثم أكد ذلك بقوله: { وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ } أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة. { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة.

{ سَابِقُواْ } سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار. { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } إلى موجباتها. { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ } أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول، وقيل المراد به البسطة كقوله: { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ } فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإِيمان وحده كاف في استحقاقها. { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من غير إيجاب. { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } منه التفضل بذلك وإن عظم قدره.

{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ } كجدب وعاهة. { وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ } كمرض وآفة. { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى. { مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } نخلقها والضمير للـ { مُّصِيبَةٍ } أو { ٱلأرْضِ } أو للأنفس. { إِنَّ ذٰلِكَ } أي إثباته في كتاب. { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة. { لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من نعم الدنيا { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ } بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر، وقرأ أبو عمرو { بِمَا ءاتَـٰكُمْ } من الإِتيان ليعادل ما فاتكم، وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها، وأما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها، والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال، ولذلك عقبه بقوله: { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء.

{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالباً أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله: { وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإِعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإِنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر { فَإِنَّ ٱللَّهَ ٱلْغَنِىُّ }.

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم. { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالحجج والمعجزات. { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } ليبين الحق ويميز صواب العمل. { وَٱلْمِيزَانَ } لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى: { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده، وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام، ويجوز أن يراد به العدل. { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال: { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } فإن آلات الحروب متخذة منه. { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها. { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلاً، أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله. { بِٱلْغَيْبِ } حال من المستكن في ينصره. { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ }، على إهلاك من أراد إهلاكه. { عَزِيزٌ } لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.