التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٢
وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٣
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٦
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧
-المجادلة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ } الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي مشتق من الظهر، وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم، وفي { مّنكُمْ } تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية، وأصل { يُظَـٰهِرُونَ } يتظاهرون وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «يُظَـٰهِرُونَ» من أظاهر وعاصم { يُظَـٰهِرُونَ } من ظاهر. { مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ } أي على الحقيقة. { إِنْ أُمَّهَـٰتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ } فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن كالمرضعات وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة بني تميم، وقرىء بـ «أُمَّهَـٰتِهِمْ» وهو أيضاً على لغة من ينصب. { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ ٱلْقَوْلِ } إذ الشرع أنكره. { وَزُوراً } منحرفاً عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأم. { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } لما سلف منه مطلقاً، أو إذا تيب عنه.

{ وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي إلى قولهم بالتدارك ومنه المثل: عاد الغيث على ما أفسد، وهو بنقض ما يقتضيه وذلك عند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زماناً يمكنه مفارقتها فيه، إذ التشبيه يتناول حرمته لصحة استثنائها عنه وهو أقل ما ينتقض به. وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة. وعند مالك بالعزم على الجماع، وعند الحسن بالجماع. أو بالظهار في الإِسلام على أن قوله { يُظَـٰهِرُونَ } بمعنى يعتادون الظهار إذ كانوا يظاهرون في الجاهلية، وهو قول الثوري أو بتكراره لفظاً وهو قول الظاهرية، أو معنى بأن يحلف على ما قال وهو قول أبي مسلم أو إلى المقول فيها بامساكها، أو استباحة استمتاعها أو وطئها. { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي فعليهم أو فالواجب اعتقاق رقبة والفاء للسببية، ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار، والرقبة مقيدة بالإيمان عندنا قياساً على كفارة القتل. { مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه، أو أن يجامعها وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير. { ذٰلِكُمْ } أي ذلكم الحكم بالكفارة. { تُوعَظُونَ بِهِ } لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع عنه. { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } لا تخفى عليه خافية.

{ فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أي الرقبة والذي غاب ماله واجد. { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف، وإن جامع المظاهر عنها ليلاً لم ينقطع التتابع عندنا خلافاً لأبي حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهما. { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } أي الصوم لهرم أو مرض مزمن أو شبق مفرط فإنه صلى الله عليه وسلم رخص للأعرابي المفطر أن يعدل لأجله. { فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً } ستين مداً بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رطل وثلث لأنه أقل ما قيل في الكفارات وجنسه المخرج في الفطرة، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره، وإنما لم يذكر التماس مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين، أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه. { ذٰلِكَ } أي ذلك البيان أو التعليم للأحكام ومحله النصب بفعل معلل بقوله: { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }، أي فَرضَ ذَلِكَ لتصدقوا بالله وَرَسُولِهِ في قبول شرائعهِ وَرَفْض مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ في جاهليتكم { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } لا يجوز تعديها. { وَلِلْكَـٰفِرِينَ } أي الذين لا يقبلونها. { عَذَابٌ أَلِيمٌ } هو نظير قوله تعالى: { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ }

[آل عمرآن: 97] { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعادونهما فإن كلاً من المتعادين في حد غير حد الآخر، أو يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما. { كُبِتُواْ } أخزوا وأهلكوا وأصل الكبت الكب. { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني كفار الأمم الماضية. { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } تدل على صدق الرسول وما جاء به. { وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يذهب عزهم وتكبرهم.

{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ } منصوب بـ { مُّهِينٌ } أو بإضمار اذكر. { جَمِيعاً } كلهم لا يدع أحداً غير مبعوث أو مجتمعين. { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أي على رؤوس الأشهاد تشهيراً لحالهم وتقريراً لعذابهم. { أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ } أحاط به عدداً لم يغب منه شيء. { وَنَسُوهُ } لكثرته أو تعاونهم به. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } لا يغيب عنه شيء.

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كلياً وجزئياً. { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } أي ما يقع من تناجي ثلاثة، ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول { نَجْوَىٰ } بمتناجين ويجعل { ثَلَـٰثَةً } صفة لها، واشتقاقها من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه. { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها، والاستثناء من أعم الأحوال. { وَلاَ خَمْسَةٍ } ولا نجوى خمسة. { إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين، أو لأن الله تعالى وتر يحب الوتر، والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما، وقرىء { ثَلَـٰثَةً } و { خَمْسَةٍ } بالنصب على الحال بإضمار { يتناجون } أو تأويل { نَجْوَىٰ } بمتناجين. { وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ } ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين. { وَلاَ أَكْثَرَ } كالستة وما فوقها. { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } يعلم ما يجري بينهم. وقرأ يعقوب ولا أكثر بالرفع عطفاً على محل من { نَجْوَىٰ } أو محل لا أدنى بأن جعلت لا لنفي الجنس. { أَيْنَمَا كَانُواْ } فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة. { ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } تفضيحاً لهم وتقريراً لما يستحقونه من الجزاء. { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواء.