التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ
٣
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤
مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الحشر

انوار التنزيل واسرار التأويل

مدنية وآيها أربع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } روي "أنه عليه السلام لما قدم المدينة صالح بني النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه، فلما ظهر يوم بدر قالوا: إنه النبي المنعوت في التوراة بالنصرة، فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكباً إلى مكة وحالفوا أبا سفيان، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا كعب من الرضاعة فقتله غيلة، ثم صبحهم بالكتائب وحاصرهم حتى صالحوا على الجلاء فجلا أكثرهم إلى الشام ولحقت طائفة بخيبر والحيرة" فأنزل الله تعالى { سَبَّحَ للَّهِ } إلى قوله: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ }.

{ هُوَ ٱلَّذِى أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مِن دِيَـٰرِهِمْ لأَِوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أي في أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك، أو في أول حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشام، وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إليه، أو في أول حشر الناس إلى الشام وآخر حشرهم أنهم يحشرون إليه عند قيام الساعة فيدركهم هناك، أو أن ناراً تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب. والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر. { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } لشدة بأسهم ومنعتهم. { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ ٱللَّهِ } أي أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وتغيير النظم، وتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة بسببها، ويجوز أن تكون { حُصُونُهُم } فاعلاً لـ { مَّانِعَتُهُمْ }. { فَـاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } أي عذابه وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء، وقيل الضمير لـ { ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي فأتاهم نصر الله، وقرىء { فَـاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } أي العذاب أو النصر. { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } لقوة وثوقهم. { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } وأثبت فيها الخوف الذي يرعبها أي يملؤها. { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ } ضناً بها على المسلمين وإخراجاً لما استحسنوا من آلاتها. { وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فإنهم أيضاً كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعاً لمجال القتال. وعطفها على «أيديهم» من حيث أن تخريب المؤمنين مسبب عن نقضهم فكأنهم استعملوهم فيه، والجملة حال أو تفسير لـ { ٱلرُّعْبَ }. وقرأ أبو عمرو « يُخْرِبُونَ» بالتشديد وهو أبلغ لما فيه من التكثير. وقيل الإِخراب التعطيل أو ترك الشيء خراباً والتخريب الهدم. { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِى ٱلأَبْصَـٰرِ } فاتعظوا بحالهم فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير الله، واستدل به على أن القياس حجة من حيث أنه أمر بالمجاوزة من حال إلى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له على ما قررناه في الكتب الأصولية.

{ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَء } الخروج من أوطانهم. { لَعَذَّبَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا } بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة. { وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } استئناف معناه أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } الإِشارة إلى ما ذكر مما حاق بهم وما كانوا بصدده وما هو معد لهم أو إلى الأخير.

{ مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ } أي شيء قطعتم من نخلة فعلة من اللون ويجمع على ألوان، وقيل من اللين ومعناها النخلة الكريمة وجمعها أليان. { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا } الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة. { قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا } وقرىء «أصلها» اكتفاء بالضمة عن الواو أو على أنه كرهن. { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } فبأمره. { وَلِيُخْزِىَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } علة لمحذوف أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه. " روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أمر بقطع نخيلهم قالوا: قد كنت يا محمد تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت" . واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم.