التفاسير

< >
عرض

ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٥
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٢٦
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٧
بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٢٨
وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
٢٩
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٠
-الأنعام

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي بنفي الشرك عنها، وحمله على كذبهم في الدنيا تعسف يخل بالنظم ونظير ذلك قوله: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } [المجادله: 18] وقرأ حمزة والكسائي ربنا بالنصب على النداء أو المدح. { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من الشركاء.

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } حين تتلو القرآن، والمراد أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم، اجتمعوا فسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فقالوا للنضر ما يقول، فقال؛ والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية، فقال أبو سفيان إني لأرى حقاً فقال أبو جهل كلا. { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أغطية جمع كنان وهو ما يستر الشيء. { أَن يَفْقَهُوهُ } كراهة أن يفقهوه. { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } يمنع من استماعه، وقد مر تحقيق ذلك في أول «البقرة». { وَإِنْ يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا } لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم. { حَتَّىٰ إِذَا جَاؤُكَ يُجَـٰدِلُونَكَ } أي بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم جاؤو يجادلونك، وحتى هي التي تقع بعدها الجمل لا عمل لها، والجملة إذا وجوابه وهو { يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } فإن جعل أصدق الحديث خرافات الأولين غاية التكذيب، ويجادلونك حال لمجيئهم، ويجوز أن تكون الجارة وإذا جاؤوك في موضع الجر ويجادلونك حال ويقول تفسير له، والأساطير الأباطيل جمع أسطورة أو اسطارة أو أسطار جمع سطر، وأصله السطر بمعنى الخط.

{ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } أي ينهون الناس عن القرآن، أو الرسول صلى الله عليه وسلم والإِيمان به. { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } بأنفسهم أو ينهون عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينأون عنه فلا يؤمنون به كأبي طالب. { وَإِن يُهْلِكُونَ } وما يهلكون بذلك. { إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } أن ضرره لا يتعداهم إلى غيرهم.

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } جوابه محذوف أي: لو تراهم حين يوقعون على النار حتى يعاينوها، أو يطلعون عليها، أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها لرأيت أمراً شنيعاً. وقرىء { وُقِفُواْ } على البناء للفاعل من وقف عليها وقوفاً. { فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ } تمنياً للرجوع إلى الدنيا. { وَلاَ نُكَذّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } استئناف كلام منهم على وجه الإِثبات كقولهم: دعني ولا أعود، أي وأنا لا أعود تركتني، أو لم تتركني أو عطف على نرد أو حال من الضمير فيه فيكون في حكم التمني، وقوله: { { وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } [الأنعام: 28] راجع إلى ما تضمنه التمني من الوعد، ونصبهما حمزة ويعقوب وحفص على الجواب بإضمار أن بعد الواو إجراء لها مجرى الفاء. وقرأ ابن عامر برفع الأول على العطف ونصب الثاني على الجواب.

{ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } الإِضراب عن إرادة الإِيمان المفهومة من التمني، والمعنى أنه ظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم، أو قبائح أعمالهم فتمنوا ذلك ضجراً لا عزماً على أنهم لو ردوا لآمنوا. { وَلَوْ رُدُّواْ } أي إلى الدنيا بعد الوقوف والظهور. { لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } من الكفر والمعاصي. { وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما وعدوا به من أنفسهم.

{ وَقَالُواْ } عطف على لعادوا، أو على إنهم لكاذبون أو على نهوا، أو استئناف بذكر ما قالوه في الدنيا. { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } الضمير للحياة { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ }.

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } مجاز عن الحبس للسؤال والتوبيخ، وقيل معناه وقفوا على قضاء ربهم أو جزائه، أو عرفوه حق التعريف. { قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقّ } كأنه جواب قائل قال: ماذا قال ربهم حينئذ؟ والهمزة للتقريع على التكذيب، والإِشارة إلى البعث وما يتبعه من الثواب والعقاب. { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبّنَا } إقرار مؤكد باليمين لانجلاء الأمر غاية الجلاء. { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } بسبب كفركم أو ببدله.