التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ
٢
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
٤
-الممتحنة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ مدنية وآيها ثلاث عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، فإنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب إليهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، "وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب، فنزل جبريل عليه السلام فأعلم رسول الله، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها، فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع، فسل علي رضي الله تعالى عنه السيف فأخرجته من عقاصها، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً وقال: ما حملك عليه؟ فقال: يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكني كنت امرأ ملصقاً في قريش وليس لي فيهم من يحمي أهلي، فأردت أن آخذ عندهم يداً وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئاً، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره" { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } تفضون إليهم المودة بالمكاتبة، والباء مزيدة أو إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة، والجملة حال من فاعل { لاَ تَتَّخِذُواْ } أو صفة لأولياء جرت على غير من هي له، ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير لأنه مشروط في الاسم دون الفعل. { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ } حال من فاعل أحد الفعلين. { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ } أي من مكة وهو حال من { كَفَرُواْ } أو استئناف لبيانه. { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبّكُمْ } بأن تؤمنوا به وفيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم إلى الغيبة للدلالة على ما يوجب الإِيمان. { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } عن أوطانكم. { جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَاء مَرْضَاتِى } علة للخروج وعمدة للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه { لاَ تَتَّخِذُواْ }. { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } بدل من { تُلْقُونَ } أو استئناف معناه: أي طائل لكم في أسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة. { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } أي منكم. وقيل { أَعْلَمُ } مضارع والباء مزيدة و «ما» موصولة أو مصدرية. { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي من يفعل الاتخاذ. { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أخطأه.

{ إِن يَثْقَفُوكُمْ } يظفروا بكم. { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاءً } ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم. { وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوءِ } ما يسوؤكم كالقتل والشتم. { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } وتمنوا ارتدادكم، ومجيء { وَدُّواْ } وحده بلفظ الماضي للإِشعار بأنهم { وَدُّواْ } قبل كل شيء، وأن ودادتهم حاصلة وإن لم يثقفوكم.

{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَـٰمُكُمْ } قراباتكم. { وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ } الذين توالون المشركين لأجلهم. { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من بعض فما لكم ترفضون اليوم حق الله لمن يفر منكم غداً، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الصاد والتشديد وفتح الفاء، وقرأ ابن عامر «يُفَصّلُ » على البناء للمفعول وهو { بَيْنِكُمْ }، وقرأ عاصم { يُفَصّلُ }. { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيجازيكم عليه.

{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قدوة. اسم لما يؤتسى به. { فِى إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } صفة ثانية أو خبر كان و { لَكُمْ } لغو أو حال من المستكن في { حَسَنَةٌ } أو صلة لها لا لـ { أُسْوَةٌ } لأنها وصفت. { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ } ظرف لخبر كان. { إِنَّا بُرَاءُ مّنكُمْ } جمع بريء كظريف وظرفاء. { وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ } أي بدينكم أو بمعبودكم، أو بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وآلهتكم. { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } فتنقلب العداوة والبغضاء ألفة ومحبة. { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } استثناء من قوله { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فإن استغفاره إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن يأتسوا به، فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه. { وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } من تمام قوله المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء جميع أجزائه. { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } متصل بما قبل الاستثناء أو أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه تتميماً لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار.