التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٢
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
٣
يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٤
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٥
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
٦
زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٧
فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٨
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
-التغابن

انوار التنزيل واسرار التأويل

مختلف فيها وآيها ثماني عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } بدلالتها على كماله واستغنائه. { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } قدم الظرفين للدلالة على اختصاص الأمرين به من حيث الحقيقة. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء ثم شرع فيما ادعاه فقال:

{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ } مقدر كفره موجه إليه ما يحمله عليه. { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه. { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيعاملكم بما يناسب أعمالكم.

{ خَلقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } بالحكمة البالغة. { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } فصوركم من جملة ما خلق فيهما بأحسن صورة، حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات، وخصكم بخلاصة خصائص المبدعات، وجعلكم أنموذج جميع المخلوقات. { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم.

{ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } فلا يخفى عليه ما يصح أن يعلم كلياً كان أو جزئياً، لأن نسبة المقتضى لعلمه إلى الكل واحدة، وتقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولاً وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء.

{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } يا أيها الكفار. { نَبَأْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ قَبْلُ } كقوم نوح وهود وصالح عليهم السلام. { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } ضرر كفرهم في الدنيا، وأصله الثقل ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة، والوابل المطر الثقيل القطار. { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة.

{ ذٰلِكَ } أي المذكور من الوبال والعذاب. { بِأَنَّهُ } بسبب أن الشأن. { كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالمعجزات. { فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أنكروا وتعجبوا من أن يكون الرسل بشراً والبشر يطلق للواحد والجمع. { فَكَفَرُواْ } بالرسل { وَتَوَلَّواْ } عن التدبر في البينات. { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } عن كل شيء فضلاً عن طاعتهم. { وَٱللَّهُ غَنِىٌّ } عن عبادتهم وغيرها. { حَمِيدٌ } يدل على حمده كل مخلوق.

{ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } الزعم ادعاء العلم ولذلك يتعدى إلى مفعولين وقد قام مقامهما أن بما في حيزه. { قُلْ بَلَىٰ } أي بلى تبعثون. { وَرَبّى لَتُبْعَثُنَّ } قسم أكد به الجواب. { ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } بالمحاسبة والمجازاة. { وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } لقبول المادة وحصول القدرة التامة.

{ فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ } محمد عليه الصلاة والسلام. { وَٱلنّورِ ٱلَّذِى أَنزَلْنَا } يعني القرآن فيه بإعجازه ظاهر بنفسه مظهر لغيره مما فيه شرحه وبيانه. { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فمجاز عليه.

{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } ظرف { لَتُنَبَّؤُنَّ } أو مقدر باذكر، وقرأ يعقوب «نجمعكم». { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الملائكة والثقلين. { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } يغبن فيه بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس، مستعار من تغابن التجار واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الآخرة لعظمها ودوامها. { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً } أي عملاً صالحاً. { يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما. { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الإِشارة إلى مجموع الأمرين، ولذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع.