التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ
٢
ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ
٣
ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
٤
وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ
٥
-الملك

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ مكية، وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها وتنجيه من عذاب القبر، وآيها ثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } على كل ما يشاء قدير.

{ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره، وقدم الموت لقوله: { وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } [البقرة: 28] ولأنه أدعى إلى حسن العمل. { لِيَبْلُوَكُمْ } ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون. { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أصوبه وأخلصه، وجاء مرفوعاً: "أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته" جملة واقعة موقع المفعول ثانياً لفعل البلوى المتضمن معنى العلم، وليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به وقوع الجملة خبراً لما لا يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين. { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل. { ٱلْغَفُورُ } لمن تاب منهم.

{ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ طِبَاقاً } مطابقة بعضها فوق بعض مصدر طابقت النعل إذا خلطتها طبقاً على طبق وصف به، أو طوبقت طباقاً أو ذات طباق جمع طبق كجبل وجبال، أو طبقة كرحبة ورحاب. { مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ } وقرأ حمزة والكسائي «من تفوت» ومعناهما واحد كالتعاهد والتعهد، وهو الاختلاف وعدم التناسب من الفوت كأن كلا من المتفاوتين فات عنه بعض ما في الآخر، والجملة صفة ثانية لـ { سَبْعَ } وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير للتعظيم، والإِشعار بأنه تعالى يخلق مثل ذلك بقدرته الباهرة رحمة وتفضلاً، وأن في إبداعها نعماً جليلة لا تحصى، والخطاب فيها للرسول أو لكل مخاطب وقوله: { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } متعلق به على معنى التسبب أي قد نظرت إليها مراراً فانظر إليها مرة أخرى متأملاً فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها واستجماعها ما ينبغي لها، والـ { فُطُورٍ } الشقوق والمراد الخلل من فطره إذا شقه.

{ ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ } أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك، ولذلك أجاب الأمر بقوله: { يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا } بعيداً عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طرداً بالصغار { وَهُوَ حَسِيرٌ } كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة.

{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا } أقرب السموات إلى الأرض. { بِمَصَـٰبِيحَ } بالكواكب المضيئة بالليل إضاءة السرج فيها، والتنكير للتعظيم ولا يمنع ذلك كون بعض الكواكب مركوزة في سموات فوقها إذ التزيين بإظهارها فيها. { وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } وجعلنا لها فائدة أخرى وهي رجم أعدائكم، والرجوم جمع رجم بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به بانقضاض الشهب المسببة عنها. وقيل معناه وجعلناها رجوماً وظنوناً لشياطين الإِنس وهم المنجمون. { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } في الآخرة بعد الإِحراق بالشهب في الدنيا.