التفاسير

< >
عرض

نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
١
مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
٢
وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ
٣
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
٤
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ
٥
بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ
٦
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٧
فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٨
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
٩
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
-القلم

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية وآيها ثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ ن } من أسماء الحروف، وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو البهموت وهو الذي عليه الأرض، أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سواداً من النفس يكتب به، ويؤيد الأول سكونه وكتبه بصورة الحرف. { وَٱلْقَلَمِ } وهو الذي خط اللوح، أو الذي يخط به أقسم به تعالى لكثرة فوائده وأخفى ابن عامر والكسائي ويعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل، فإن النون الساكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتصلت بها. وقد روي ذلك عن نافع وعاصم، وقرئت بالفتح والكسر كـ { ص }. { وَمَا يَسْطُرُونَ } وما يكتبون والضمير لـ { القلم } بالمعنى الأول على التعظيم، أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الأدلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإِقامته مقامهم، أو لأصحابه أو للحفظة و { مَا } مصدرية أو موصولة.

{ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ } جواب القسم والمعنى ما أنت بمجنون منعماً عليك بالنبوة وحصافة الرأي، والعامل في الحال معنى النفي وقيل { بِمَجْنُونٍ } الباء لا تمنع عمله فيما قبله لأنها مزيدة، وفيه نظر من حيث المعنى.

{ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً } على الاحتمال والإبلاغ. { غَيْرَ مَمْنُونٍ } مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط.

{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمل أمثالك، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ }.

{ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } أيكم الذي فتن بالجنون والباء مزيدة، أو بأيكم الجنون على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود، أو بأي الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين، أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم.

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } وهم المجانين على الحقيقة. { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } الفائزين بكمال العقل.

{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذّبِينَ } تهييج للتصميم على معاصاتهم.

{ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ } تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشرك، أو توافقهم فيه أحياناً. { فَيُدْهِنُونَ } فيلاينونك بترك الطعن والموافقة، والفاء للعطف أي ودوا التداهن وتمنوه لكنهم أخروا ادهانهم حتى تدهن، أو للسببية أي { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ } فهم يدهنون حينئذ، أو ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون طمعاً فيه، وفي بعض المصاحف «فيدهنوا» على أنه جواب التمني.

{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ } كثير الحلف في الحق والباطل. { مُّهِينٌ } حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة.