التفاسير

< >
عرض

إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ
١١
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
١٢
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً
١٤
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١٥
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ
١٦
وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
١٨
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ
١٩
-الحاقة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ إِنَّا لَمَّا طَغَىٰ ٱلْمَاءُ } جاوز حده المعتاد، أو طغى على خزانه وذلك في الطوفان وهو يؤيد من قبله. { حَمَلْنَـٰكُمْ } أي آباءكم وأنتم في أصلابهم. { فِى ٱلْجَارِيَةِ } في سفينة نوح عليه الصلاة والسلام.

{ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ } لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين. { تَذْكِرَةً } عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته. { وَتَعِيَهَا } وتحفظها، وعن ابن كثير «تَعْيهَا» بسكون العين تشبيهاً بكتف، والوعي أن تحفظ الشيء في نفسك والإِيعاء أن تحفظه في غيرك. «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وٰعِيَةٌ» من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته والتفكر فيه والعمل بموجبه، والتنكير للدلالة على قلتها وأن من هذا شأنه مع قلته تسبب لانجاء الجم الغفير وإدامة نسلهم. وقرأ نافع «أَذِنَ» بالتخفيف.

{ فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وٰحِدَةٌ } لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها تفخيماً لشأنها وتنبيهاً على مكانها عاد إلى شرحها، وإنما حسن إسناد الفعل إلى المصدر لتقيده وحسن تذكيره للفصل، وقرىء { نَفْخَةً } بالنصب على إسناد الفعل إلى الجار والمجرور والمراد بها النفخة الأولى التي عندها خراب العالم.

{ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } رفعت من أماكنها بمجرد القدرة الكاملة، أو بتوسط زلزلة أو ريح عاصفة. { فَدُكَّتَا دَكَّةً وٰحِدَةً } فضربت الجملتان بعضها ببعض ضربة واحدة فيصير الكل هباء، أو فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضاً لا عوج فيها ولا أمتا لأن الدك سبب للتسوية، ولذلك قيل ناقة دكاء للتي لا سنام لها، وأرض دكاء للمتسعة المستوية.

{ فَيَوْمَئِذٍ } فحينئذ. { وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } قامت القيامة.

{ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاءُ } لنزول الملائكة. { فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } ضعيفة مسترخية.

{ وَٱلْمَلَكُ } والجنس المتعارف بالملك. { عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } جوانبها جمع رجا بالقصر، ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها، وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك. { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ } فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء، أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم. { يَوْمَئِذٍ ثَمَـٰنِيَةٌ } ثمانية أملاك، لما روي مرفوعاً "أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة آخرين" وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، ولعله أيضاً تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام وعلى هذا قال:

{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } تشبيهاً للمحاسبة بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم، وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسماً لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار صح ظرفاً للكل. { لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها، وإنما المراد منه إفشاء الحال والمبالغة في العدل، أو على الناس كما قال الله تعالى: { { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَائِرُ } [الطارق: 9] وقرأ حمزة والكسائي بالياء للفصل.

{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } تفصيل للعرض. { فَيَقُولُ } تبجحاً. { هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } هاء اسم لخذ، وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤ ما يا رجلان أو امرأتان، وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة، ومفعوله محذوف و { كِتَـٰبيَهْ } مفعول { اقرؤوا } لأنه أقرب العاملين، ولأنه لو كان مفعول { هَاؤُمُ } لقيل اقرؤوه إذ الأولى اضماره حيث أمكن، والهاء فيه وفي { حِسَابِيَهْ } و { مَالِيَهْ } و { سُلْطَـٰنِيَهْ } للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الإِمام ولذلك قرىء بإثباتها في الوصل.