التفاسير

< >
عرض

سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
١
لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ
٢
مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ
٣
تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
٤
فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً
٥
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً
٦
وَنَرَاهُ قَرِيباً
٧
يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ
٨
وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ
٩
وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً
١٠
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
١١
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ
١٢
-المعارج

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ مكية وآيها أربع وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أي دعا داع به بمعنى استدعاه ولذلك عدى الفعل بالباء والسائل هو النضر بن الحارث فإنه قال { { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } [الأنفال: 32] الآية أو أبو جهل فإنه قال { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مّنَ ٱلسَّمَاء } [الشعراء: 187] ساله استهزاء أو الرسول عليه الصلاة والسلام استعجل بعذابهم وقرأ نافع وابن عامر « سال» وهو إما من السؤال على لغة قريش قال:

سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب

أو من السيلان ويؤيده أنه قرىء «سال سيل» على أن السيل مصدر بمعنى السائل كالغور والمعنى سال واد بعذاب ومضى الفعل لتحقق وقوعه إما في الدنيا وهو قتل بدر أو في الآخرة وهو عذاب النار.

{ لِلْكَـٰفِرِينَ } صفة أخرى لعذاب أو صلة لـ { وَاقِعٍ } وإن صح أن السؤال كان عمن يقع به العذاب كان جواباً والباء على هذا لتضمن { سَأَلَ } معنى اهتم { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } يرده.

{ مِنَ ٱللَّهِ } من جهته لتعلق إرادته { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } ذي المصاعد وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب العمل الصالح أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم أو مراتب الملائكة أو في السموات فإن الملائكة يعرجون فيها.

{ تَعْرُجُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على التمثيل والتخيل والمعنى أنها بحيث لو قدر قطعها في زمان لكان في زمان يقدر بخمسين ألف سنة من سني الدنيا وقيل تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من حيث إنهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها لو فرض لا أن ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة لأن ما بين مركز الأرض ومقعر السماء الدنيا على ما قيل مسيرة خمسمائة عام وثخن كل واحدة من السموات السبع والكرسي والعرش كذلك وحيث قال { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } [السجده: 5] يريد زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السماء الدنيا وقيل { فِى يَوْمٍ } متعلق بـ { وَاقِعٍ } أو { سَالَ } إذا جعل من السيلان والمراد به يوم القيامة واستطالته إما لشدته على الكفار أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات أو لأنه على الحقيقة كذلك والروح جبريل عليه السلام وإفراده لفضله أو خلق أعظم من الملائكة.

{ فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } لا يشوبه استعجال واضطراب قلب وهو متعلق بـ { سَأَلَ } لأن السؤال كان عن استهزاء أو تعنت وذلك مما يضجره أو عن تضجر واستبطاء للنصر أو بـ { سَأَلَ } لأن المعنى قرب وقوع العذاب { فَٱصْبِرْ } فقد شارفت الانتقام.

{ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ } الضمير للعذاب أو يوم القيامة { بَعِيداً } من الإِمكان.

{ وَنَرَاهُ قَرِيباً } منه أو من الوقوع.

{ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَاء كَٱلْمُهْلِ } ظرف لـ { قَرِيبًا } أي يمكن { يَوْمَ تَكُونُ } أو لمضمر دل عليه { وَاقِعٍ } أو بدل من { فِى يَوْمٍ } إن علق به والمهل المذاب في «مهل» كالفلزات أو دردي الزيت.

{ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } كالصوف المصبوغ ألواناً لأن الجبال مختلفة الألوان فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.

{ وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } ولا يسأل قريب قريباً عن حاله وعن ابن كثير «وَلاَ يُسْـئَلَ» على بناء المفعول أي لا يطلب من حميم حميم أو لا يسأل منه حاله.

{ يُبَصَّرُونَهُمْ } استئناف أو حال تدل على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء أو ما يغني عنه من مشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده وجمع الضميرين لعموم الحميم. { يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ }.

{ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَـٰحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } حال من أحد الضميرين أو استئناف يدل على أن اشتغال كل مجرم بنفسه بحيث يتمنى أن يفتدي بأقرب الناس إليه وأعلقهم بقلبه فضلاً أن يهتم بحاله ويسأل عنها وقرأ نافع والكسائي بفتح ميم { يَوْمَئِذٍ } وقرىء بتنوين «عَذَابٍ» ونصب { يَوْمَئِذ } به لأنه بمعنى تعذيب.