مكية وآيها تسع أو ثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ } أي بأن أي بالإِنذار، أو بأن قلنا له {أُنذِرَ }، ويجوز أن تكون مفسرة لتضمن الإِرسال معنى القول، وقرىء بغير {أن } على إرادة القول. {قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } عذاب الآخرة أو الطوفان.
{قَالَ يَـا قَوْم إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } مر في «الشعراء» نظيره وفي {أن } يحتمل الوجهان.
{يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو ما سبق فإن الإِسلام يجبه فلا يؤاخذكم به في الآخرة {وَيُؤَخّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو أقصى ما قُدِّر لكم بشرط الإِيمان والطاعة. {إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ } إن الأجل الذي قدره. {إِذَا جَاء } على الوجه المقدر به آجلاً وقيل إذا جاء الأجل الأطول. {لاَ يُؤَخَّرُ } فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير. {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك، وفيه أنهم لانهماكهم في حب الحياة كأنهم شاكون في الموت.
{قَالَ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً } أي دائماً.
{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَاراً } عن الإِيمان والطاعة، وإسناد الزيادة إلى الدعاء على السببية كقوله:
{ فَزَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } [التوبة: 124] {وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } إلى الإِيمان. {لِتَغْفِرَ لَهُمْ } بسببه. {جَعَلُواْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءَاذٰنِهِمْ } سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة. {وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } تغطوا بها لئلا يروني كراهة النظر إلي من فرط كراهة دعوتي أو لئلا أعرفهم فأدعوهم، والتعبير بصيغة الطلب للمبالغة. {وَأَصَرُّواْ } وأكبوا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها. {وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن اتباعي. {ٱسْتِكْبَاراً } عظيماً.
{ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جِهَـٰراً ثُمَّ إِنّى أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } أي دعوتهم مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى على أي وجه أمكنني، و {ثُمَّ } لتفاوت الوجوه فإن الجهار أغلظ من الإِسرار والجمع بينهما أغلظ من الإِفراد لتراخي بعضها عن بعض، و {جِهَـٰراً } نصب على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء، أو صفة مصدر محذوف بمعنى دعاء {جِهَـٰراً } أي مجاهراً به أو الحال فيكون بمعنى مجاهراً.