التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً
١٣
وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً
١٤
وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً
١٥
وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً
١٦
لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً
١٧
وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً
١٨
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً
١٩
قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً
٢٠
قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً
٢١
-الجن

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } أي القرآن. { آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ } فهو لا يخاف، وقرىء «فَلاَ يُخَفَّفُ» والأول أدل على تحقيق نجاة المؤمنين واختصاصها بهم. { بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } نقصاً في الجزاء ولا أن يرهقه ذلة، أو جزاء بخس لأنه لم يبخس لأحد حقاً ولم يرهق ظلماً، لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب ذلك.

{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة. { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } توخوا رشداً عظيماً يبلغهم إلى دار الثواب.

{ وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } توقد بهم كما توقد بكفار الإِنس.

{ وَأَنْ لَوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ } أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإِنس أو كلاهما. { عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي على الطريقة المثلى. { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً } لوسعنا عليهم الرزق، وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب.

{ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } لنختبرهم كيف يشكرونه، وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم. { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ } عن عبادته أو موعظته أو وحيه. { يَسْلُكْهُ } يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون. { عَذَاباً صَعَداً } شاقاً يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به.

{ وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ } مختصة به. { فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } فلا تعبدوا فيها غيره، ومن جعل { أن } مقدرة باللام علة للنهي ألغى فائدة الفاء، وقيل المراد بـ { ٱلْمَسَـٰجِدِ } الأرض كلها لأنها جعلت للنبي عليه الصلاة والسلام مسجداً. وقيل المسجد الحرام لأنه قيل المساجد ومواضع السجود على أن المراد النهي عن السجود لغير الله، وآرابه السبعة أو السجدات على أنه جمع مسجد.

{ وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } أي النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه، والاشعار بما هو المقتضى لقيامه. { يَدْعُوهُ } يعبده { كَادُواْ } كاد الجن. { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } متراكمين من ازدحامهم عليه تعجباً مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته، أو كاد الإنس والجن يكونون عليه مجتمعين لإِبطال أمره، وهو جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد، وعن ابن عامر «لُبَداً» بضم اللام جمع لبدة وهي لغة. وقرىء «لَبَداً» كسجداً جمع لابد و «لِبَداً» كصبر جمع لبود.

{ قَالَ إِنَّمَا ٱدْعُواْ رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم أو إطباقكم على مقتي، وقرأ عاصم وحمزة «قل» على الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام ليوافق ما بعده.

{ قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } ولا نفعاً أو غياً، عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعاراً بالمعنيين.