التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
-المزمل

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية، وآيها تسع عشرة أو عشرون

بسم الله الرحيم الرحيم

{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ } أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرىء به، وبـ «ٱلْمَزَّمّلُ » مفتوحة الميم ومكسورتها أي زمله غيره، أو زمل نفسه، سمي به النبي عليه الصلاة والسلام تهجيناً لما كان عليه فإنه كان نائماً، أو مرتعداً مما دهشه من بدء الوحي متزملاً في قطيفة أو تحسيناً له. "إذ روي: أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي متلففاً بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت" أو تشبيهاً له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل، أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة.

{ قُمِ ٱلَّيْلَ } أي قم إلى الصلاة، أو داوم عليها فيه، وقرىء بضم الميم وفتحها للإتباع أو التخفيف. { إِلاَّ قَلِيلاً }.

{ نّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } الاستثناء { مِّنَ ٱلَّيْلِ } و { نّصْفَهُ } بدل من { قَلِيلاً } وقلته بالنسبة إلى الكل، والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث، أو { نّصْفَهُ } بدل من { ٱلَّيْلَ } والاستثناء منه والضمير في { مِنْهُ } و { عَلَيْهِ } للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع، والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر، أو الاستثناء من إعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه الزائد عليه. { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ تَرْتِيلاً } اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها من قوله ثغر رتل ورتل إذا كان مفلجاً.

{ إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته، والجملة اعتراض يسهل التكليف عليه بالتهجد، ويدل على أنه مشق مضاد للطبع مخالف للنفس، أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه، أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتجريد للنظر، أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار، أو ثقيل تلقيه لقوله عائشة رضي الله تعالى عنها: رأيته عليه الصلاة والسلام ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقاً. وعلى هذا يجوز أن يكون صفة للمصدر والجملة على هذه الأوجه للتعليل مستأنف، فإن التهجد يعد للنفس ما به تعالج ثقله.

{ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } إِن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض وقام قال:

نَشَأْنَا إِلَى خَوْصٍ بَرَانِيهَا السُّرَى وَأَلْصِقَ مِنْهَا مُشْرِفَاتِ القَمْاحِدِ

أو قيام الليل على أن الـ { نَاشِئَةَ } له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى، أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت. { هِىَ أَشَدُّ وَطْأً } أي كلفة أو ثبات قدم، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وطاء بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها، أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإِخلاص. { وَأَقْوَمُ قِيلاً } أي وأسد مقالاً أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات.