التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ
١
قُمْ فَأَنذِرْ
٢
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
٣
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
٤
وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ
٥
وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ
٦
وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ
٧
فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ
٨
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ
٩
عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
١٠
-المدثر

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية، وآيها خمس وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } أي المتدثر وهو لابس الدثار. " روي أنه عليه الصلاة والسلام قال كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئاً، فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض ـ يعني الملك الذي ناداه ـ فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت: دثروني، فنزل جبريل" وقال: { يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } ولذلك قيل هي أول سورة نزلت. وقيل تأذى من قريش فتغطى بثوبه مفكراً، أو كان نائماً مدثراً فنزلت، وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية، أو المختفي فإنه كان بحراء كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة، وقرىء { ٱلْمُدَّثّرُ } أي الذي دثر هذا الأمر وعصب به.

{ قُمِ } من مضجعك أو قم قيام عزم وجد. { فَأَنذِرْ } مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] أو قوله: { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً }

[سبأ: 28] { وَرَبَّكَ فَكَبّرْ } وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقداً وقولاً " روي أنه لما نزل كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيقن أنه الوحي" وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والفاء فيه وفيما بعده لإِفادة معنى الشرط وكأنه قال: وما يكن فكبر ربك، أو الدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه، فإن أول ما يجب معرفة الصانع وأول ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه، والقوم كانوا مقرين به.

{ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ } من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها، وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها، وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة، أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة والأفعال الدنيئة، فيكون أمراً باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القّوة النظرية والدعاء إليه، أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر.

{ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } فاهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح، وقرأ يعقوب وحفص« وَٱلرُّجْزَ» بالضم وهو لغة كالذكر.

{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } أي لا تعط مستكثراً، نهى عن الاستفزاز وهو أن يهب شيئاً طامعاً في عوض أكثر، نهي تنزيه أو نهياً خاصاً به لقوله عليه الصلاة والسلام "المستفزز يثاب من هبته" والموجب له ما فيه من الحرص والضنة، أو { لا تَمْنُن } على الله تعالى بعبادتك مستكثراً إياها، أو على الناس بالتبليغ مستكثراً به الأجر منهم أو مستكثراً إياه، وقرىء { تَسْتَكْثِرُ } بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من بكذا، أو { تَسْتَكْثِرُ } بمعنى تجده كثيراً وبالنصب على إضمار أن، وقد قرىء بها وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها، كما روي: أحضر الوغى. بالرفع.

{ وَلِرَبّكَ } لوجهه أو أمره. { فَٱصْبِرْ } فاستعمل الصبر، أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشكرين.

{ فَإِذَا نُقِرَ } نفخ. { فِى ٱلنَّاقُورِ } في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت، والفاء للسببية كأنه قال: اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم، و «إذا» ظرف لما دل عليه قوله:

{ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } لأن معناه عسر الأمر على الكافرين، وذلك إشارة إلى وقت النقر، وهو مبتدأ خبره { يَوْمٌ عَسِيرٌ } و { يَوْمَئِذٍ } بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير: فذلك الوقت وقت وقوع { يَوْمٌ عَسِيرٌ }. { غَيْرُ يَسِيرٍ } تأكيد يمنع أن يكون عسيراً عليهم من وجه ويشعر بيسره على المؤمنين.