التفاسير

< >
عرض

وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ
٢١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ
٢٢
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
٢٣
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ
٢٤
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ
٢٥
كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ
٢٦
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ
٢٧
وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ
٢٨
وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ
٢٩
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ
٣٠
فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ
٣١
وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
٣٢
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ
٣٣
أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ
٣٤
ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ
٣٥
أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى
٣٦
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ
٣٧
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ
٣٨
فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣٩
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ
٤٠
-القيامة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } تعميم للخطاب إشعاراً بأن بني آدم مطبوعون على الاستعجال وإن كان الخطاب للإِنسان، والمراد به الجنس فجمع الضمير للمعنى ويؤيده قراءة ابن كثير وابن عامر والبصريين بالياء فيهما.

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } بهية متهللة.

{ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول، وليس هذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره، وقيل منتظرة إنعامه ورد بأن الانتظار لا يسند إلى الوجه وتفسيره بالجملة خلاف الظاهر، وأن المستعمل بمعناه لا يتعدى بإلى وقول الشاعر:

وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ مِن مَلكٍ وَالبَحْرُ دُونَك زِدْتَني نِعَماً

بمعنى السؤال فإن الانتظار لا يستعقب العطاء.

{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } شديدة العبوس والباسل أبلغ من الباسر لكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه.

{ تَظُنُّ } تتوقع أربابها. { أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } داهية تكسر الفقار.

{ كَلاَّ } ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة.

{ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِىَ } إذا بلغت النفس أعالي الصدر وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها.

{ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } وقال حاضر وصاحبها من يرقيه مما به من الرقية، أو قال ملائكة الموت أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب من الرقي.

{ وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } وظن المحتضر أن الذي نزل به فراق الدنيا ومحابها.

{ وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } والتوت ساقه بساقه فلا يقدر على تحريكهما، أو شدة فراق الدنيا بشدة خوف الآخرة.

{ إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } سوقه إلى الله تعالى وحكمه.

{ فَلاَ صَدَّقَ } ما يجب تصديقه، أو فلا صدق ماله أي فلا زكاة. { وَلاَ صَلَّىٰ } ما فرض عليه والضمير فيهما للإنسان المذكور في { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ }.

{ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } عن الطاعة.

{ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } يتبختر افتحاراً بذلك من المط، فإن المتبختر يمد خطاه فيكون أصله يتمطط، أو من المط وهو الظهر فإنه يلويه.

{ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } ويل لك من الولي، وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في { { رَدِفَ لَكُم } [النمل: 72] أو { أَوْلَىٰ لَكَ } الهلاك. وقيل أفعل من الويل بعد القلب أدنى من أدون، أو فعلى من آل يؤول بمعنى عقباك النار.

{ ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } أي يتكرر ذلك عليه مرة بعد أخرى.

{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } مهملاً لا يكلف ولا يجازى، وهو يتضمن تكرير إنكاره للحشر والدلالة عليه من حيث إن الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن القبائح، والتكليف لا يتحقق إلا بالمجازاة وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة.

{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } فقدره فعدله.

{ فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ } للصنفين { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } وهو استدلال آخر بالإِبداء على الإِعادة على ما مر تقريره مراراً ولذلك رتب عليه قوله:

{ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ }.

عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا قرأها قال سبحانك بلى" وعنه صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة القيامة شهدت له أنا وجبريل يوم القيامة أنه كان مؤمناً به" .