التفاسير

< >
عرض

وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً
١٤
لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً
١٥
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
١٩
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
٢٠
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً
٢١
لِّلطَّاغِينَ مَآباً
٢٢
لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً
٢٣
لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً
٢٤
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً
٢٥
-النبأ

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ } السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمر كقولك: احصد الزرع إذا حان له أن يحصد، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض، أو من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، أو الرياح ذوات الأعاصير، وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشىء السحاب وتدرأ خلافه، ويؤيده أنه قرىء «بالمعصرات». { مَاءً ثَجَّاجاً } منصباً بكثرة يقال ثجه وثج بنفسه. وفي الحديث "أفضل الحج العج والثج" أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى، وقرىء «ثَجَّاجاً» ومثاجج الماء مصابه.

{ لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } ما يقتات به وما يعتلف من التبن والحشيش.

{ وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً } ملتفة بعضها ببعض جمع لف كجذع. قال:

جَنَّة لفَّ وَعَيْشٌ مُغْدق وَنَدَامى كُلُّهُمْ بِيضٌ زهر

أو لفيف كشريف أو لف جمع لفاء كخضراء وخضر وأخضار أو متلفة بحذف الزوائد.

{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ } في علم الله تعالى أو في حكمه. { مِيقَـٰتاً } حداً تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده، أو حداً للخلائق ينتهون إليه.

{ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ } بدل أو بيان ليوم الفصل. { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } جماعات من القبور إلى المحشر. روي "أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال: يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون يسبحون على وجوههم، وبعضهم عمي وبعضهم صم بكم، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم فيسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلوبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتناً من الجيف، وبعضهم ملبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم" ثم فسرهم بالقتات وأهل السحت وأكلة الربا والجائرين في الحكم والمعجبين بأعمالهم، والعلماء الذين خالف قولهم عملهم، والمؤذين جيرانهم والساعين بالناس إلى السلطان، والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى، والمتكبرين الخيلاء.

{ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاء } وشققت وقرأ الكوفيون بالتخفيف. { فَكَانَتْ أَبْوٰباً } فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب أو فصارت ذات أبواب.

{ وَسُيّرَتِ ٱلْجِبَالُ } أي في الهواء كالهباء. { فَكَانَتْ سَرَاباً } مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها.

{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار، أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها، كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل، أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان، وقرىء { أن } بالفتح على التعليل لقيام الساعة.

{ لّلطَّـٰغِينَ مَـئَاباً } مرجعاً ومأوى.

{ لَّـٰبِثِينَ فِيهَا } وقرأ حمزة وروح «لبثين» وهو أبلغ. { أَحْقَاباً } دهوراً متتابعة، وليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة، فليس فيه ما يتقضى تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقاباً مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر، وإن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطق الدال على خلود الكفار، ولو جعل قوله:

{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } حالاً من المستكن في { لَّـٰبِثِينَ } أو نصب { أَحْقَاباً } بـ { لاَ يَذُوقُونَ } احتمل أن يلبثوا فيها أحقاباً غير ذائقين إلا حميماً وغساقاً، ثم يبدلون جنساً آخر من العذاب، ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق، وحقب العام إذا قل مطره وخيره فيكون حالاً بمعنى لابثين فيها حقبين، وقوله { لاَ يَذُوقُونَ } تفسير له والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار أو النوم، وبالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم، وقيل الزمهرير وهو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد.