التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ
٦٣
يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ
٦٤
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ
٦٥
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
٦٦
ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
٦٧
وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٦٨
كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٦٩
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٧٠
-التوبة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ } أن الشأن وقرىء بالتاء. { مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يشاقق مفاعلة من الحد. { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا } على حذف الخبر أي فحق أن له أو على تكرير أن للتأكيد ويحتمل أن يكون معطوفاً على أنه ويكون الجواب محذوفاً تقديره من يحادد الله ورسوله يهلك، وقرىء { فَإن } بالكسر. { ذٰلِكَ ٱلْخِزْىُ ٱلْعَظِيمُ } يعني الهلاك الدائم.

{ يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } على المؤمنين. { سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } وتهتك عليهم أستارهم، ويجوز أن يكون الضمائر للمنافقين فإن النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث إنه مقروء ومحتج به عليهم، وذلك يدل على ترددهم أيضاً في كفرهم وأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء. وقيل إنه خبر في معنى الأمر. وقيل كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء لقوله: { قُلْ ٱسْتَهْزِءواْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ } مبرز أو مظهر. { مَّا تَحْذَرُونَ } أي ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم، أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم.

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } روي: أن ركب المنافقين مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقالوا: انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات، فأخبر الله تعالى به نبيه فدعاهم فقال: «قلتم كذا وكذا» فقالوا لا والله ما كنا في شيء من أمرك وأمر أصحابك ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر. { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهزِؤون } توبيخاً على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به، وإلزاماً للحجة عليهم ولا تعبأ باعتذارهم الكاذب.

{ لاَ تَعْتَذِرُواْ } لا تشتغلوا باعتذارتكم فإنها معلومة الكذب. { قَدْ كَفَرْتُمْ } قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه. { بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } بعد إظهاركم الإيمان. { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } لتوبتهم وإخلاصهم، أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء. { نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } مصرين على النفاق أو مقدمين على الإِيذاء والاستهزاء. وقرأ عاصم بالنون فيهما. وقرىء بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله «وإن تعف» بالتاء والبناء على المفعول ذهاباً إلى المعنى كأنه قال: أن ترحم طائفة.

{ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } أي متشابهة في النفاق والبعد عن الإِيمان كأبعاض الشيء الواحد. وقيل إنه تكذيب لهم في حلفهم بالله إنهم لمنكم وتقرير لقولهم وما هم منكم وما بعده كالدليل عليه، فإنه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وهو قوله: { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } بالكفر والمعاصي. { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } عن الإِيمان والطاعة. { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } عن المبار، وقبض اليد كناية عن الشح. { نَسُواْ ٱللَّهَ } غفلوا عن ذكر الله وتركوا طاعته. { فَنَسِيَهُمْ } فتركهم من لطفه وفضله. { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ } الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير.

{ وَعَدَ الله الْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقدرين الخلود. { هِىَ حَسْبُهُمْ } عقابًا وجزاء وفيه دليل على عظم عذابها. { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أبعدهم من رحمته وأهانهم. { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } لا ينقطع والمراد به ما وعدوه أو ما يقاسونه من تعب النفاق.

{ كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي أنتم مثل الذين، أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم. { كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوٰلاً وَأَوْلَـٰدًا } بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم. { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلَـٰقِهِمْ } نصيبهم من ملاذ الدنيا، واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فإنه ما قدر لصاحبه. { فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلـٰقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَـٰقِهِمْ } ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المخدجة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيداً لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم. { وَخُضْتُمْ } ودخلتم في الباطل. { كَٱلَّذِي خَاضُواْ } كالذين خاضوا، أو كالفوج الذي خاضوا، أو كالخوض الذي خاضوه. { أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } لم يستحقوا عليها ثواباً في الدارين. { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } الذين خسروا الدنيا والآخرة.

{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ } أغرقوا بالطوفان. { وَعَادٌ } أهلكوا بالريح. { وَثَمُودُ } أهلكوا بالرجفة. { وَقَوْمِ إِبْرٰهِيمَ } أهلك نمروذ ببعوض وأهلك أصحابه. { وِأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ } وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار يوم الظلة. { وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } قريات قوم لوط ائتفكت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلها، وأمطروا حجارة من سجيل، وقيل قريات المكذبين المتمردين وائتفاكهن انقلاب أحوالهن من الخير إلى الشر. { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ } يعني الكل. { بِٱلْبَيّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي لم يك من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم. { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب.