التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ
٢
ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ
٣
ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ
٤
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
٥
كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ
٦
أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ
٧
إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ
٨
أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ
٩
عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ
١٠
أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ
١١
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ
١٢
أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٣
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ
١٤
كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ
١٥
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ
١٦
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
١٧
سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ
١٨
كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب
١٩
-العلق

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية. وآيها تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } أي اقرأ القرآن مفتتحاً باسمه سبحانه وتعالى. أو مستعيناً به. { ٱلَّذِى خَلَقَ } أي الذي له الخلق أو الذي خلق كل شيء، ثم أفرد ما هو أشرف وأظهر صنعاً وتدبيراً وأدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة فقال:

{ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } أو الذي { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } فأبهم أولاً ثم فسر تفخيماً لخلقه ودلالة على عجيب فطرته. { مِنْ عَلَقٍ } جمعه على { ٱلإِنسَـٰنَ } في معنى الجمع ولما كان أول الواجبات معرفة الله سبحانه وتعالى نزل أولاً ما يدل على وجوده وفرط قدرته وكمال حكمته.

{ ٱقْرَأْ } تكرير للمبالغة، أو الأول مطلق والثاني للتبليغ أو في الصلاة ولعله لما قيل له: { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } فقال: "ما أنا بقارىء" ، فقيل له اقرأ: { وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } الزائد في الكرم على كل كريم فإنه سبحانه وتعالى ينعم بلا عوض ويحلم من غير تخوف، بل هو الكريم وحده على الحقيقة.

{ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } أي الخط بالقلم، وقد قرىء به لتقيد به العلوم ويعلم به البعيد.

{ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } بخلق القوى ونصب الدلائل وإنزال الآيات فيعلمك القراءة وإن لم تكن قارئاً، وقد عدد سبحانه وتعالى مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهاراً لما أنعم عليه، من أن نقله من أخس المراتب إلى أعلاها تقريراً لربوبيته وتحقيقاً لأكرميته، وأشار أولاً إلى ما يدل على معرفته عقلاً ثم نبه على ما يدل عليها سمعاً.

{ كَلاَّ } ردع لمن كفر بنعمة الله بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه. { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ }.

{ أَن رَّءاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } أن رأى نفسه، واستغنى مفعوله الثاني لأنه بمعنى علم ولذلك جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحد.

{ إِنَّ إِلَىٰ رَبّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } الخطاب للإنسان على الالتفات تهديداً وتحذيراً من عاقبة الطغيان، و { ٱلرُّجْعَىٰ } مصدر كالبشرى.

{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } نزلت في أبي جهل قال لو رأيت محمداً ساجداً لوطئت عنقه، فجاءه ثم نكص على عقبيه فقيل له مالك، فقال إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة. فنزلت ولفظ العبد وتنكيره للمبالغة في تقبيح النهي والدلالة على كمال عبودية المنهي.

{ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } أرأيت تكرير للأول وكذا الذي في قوله:

{ أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } والشرطية مفعوله الثاني وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب الشرط الثاني الواقع موقع القسيم له. والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه، أو آمراً { بِٱلتَّقْوَىٰ } فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده، أو إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الصواب كما تقول، { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ويطلع على أحواله من هداه وضلاله. وقيل المعنى { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ عَبْداً } يصلي والمنهي على الهدى آمراً بالتقوى، والناهي مكذب متولٍ فما أعجب من ذا. وقيل الخطاب في الثانية مع الكافر فإنه سبحانه وتعالى كالحاكم الذي حضره الخصمان يخاطب هذا مرة والآخر أخرى، وكأنه قال يا كافر أخبرني إن كان صلاته هدى ودعاؤه إلى الله سبحانه وتعالى أمراً بالتقوى أتنهاه، ولعله ذكر الأمر بالتقوى في التعجب والتوبيخ ولم يتعرض له في النهي لأن النهي كان عن الصلاة والأمر بالتقوى، فاقتصر على ذكر الصلاة لأنه دعوة بالفعل أو لأن نهي العبد إذا صلى يحتمل أن يكون لها ولغيرها، وعامة أحوالها محصورة في تكميل نفسه بالعبادة وغيره بالدعوة.

{ كَلاَّ } ردع للناهي. { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ } عما هو فيه. { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة، وقرىء «لنَسْفَعَنَّ» بنون مشددة و«لأسفعن»، وكتابته في المصحف بالألف على حكم الوقف والاكتفاء باللام عن الإِضافة للعلم بأن المراد ناصية المذكور.

{ نَاصِيَةٍ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } بدل من الناصية وإنما جاز لوصفها، وقرئت بالرفع على هي ناصية والنصب على الذم ووصفها بالكذب والخطأ، وهما لصاحبها على الإسناد المجازي للمبالغة.

{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } أي أهل ناديه ليعينوه وهو المجلس الذي ينتدي فيه القوم. روي أنا أبا جهل لعنه الله مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: ألم أنهك، فاغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزلت"

{ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } ليجروه إلى النار وهو في الأصل الشرط واحدها زبنية كعفرية من الزبن وهو الدفع، أو زبني على النسب وأصلها زباني والتاء معوضة عن الياء.

{ كَلاَّ } ردع أيضاً للناهي. { لاَ تُطِعْهُ } أي أثبت أنت على طاعتك. { وَٱسْجُدْ } داوم على سجودك. { وَٱقْتَرِب } وتقرب إلى ربك وفي الحديث "أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد"

عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله" .