التفاسير

< >
عرض

فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ
٩٨
-يونس

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: فهلا كانت قرية آمنت بكمالها من الأمم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل، بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه، أو أكثرهم؛ كقوله تعالى: { { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [يس: 30]، { { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَـٰحِرٌ } [الذاريات: 52] { { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23] وفي الحديث الصحيح: "عرض علي الأنبياء، فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس، والنبي يمر معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد" ثم ذكر كثرة أتباع موسى عليه السلام، ثم ذكر كثرة أمته صلوات الله وسلامه عليه كثرة سدت الخافقين الشرقي والغربي، والغرض أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى، وما كان إيمانهم إلا خوفاً من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعدما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم فعندما جأروا إلى الله، واستغاثوا به، وتضرعوا له، واستكانوا، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله، وكشف عنهم العذاب، وأخروا؛ كما قال تعالى: { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين: (أحدهما) إنما كان ذلك في الحياة الدنيا؛ كما هو مقيد في هذه الآية.

(والثاني) فيهما؛ لقوله تعالى: { { وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَـآمَنُواْ فَمَتَّعْنَـٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [الصافات: 147-148] فأطلق عليهم الإيمان. والإيمان منقذ من العذاب الأخروي، وهذا هو الظاهر، والله أعلم. وقال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم، وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم. قال قتادة: وذكر أن قوم يونس بنينوى أرض الموصل، وكذا روي عن ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف، وكان ابن مسعود يقرؤها: "فَهَلاَّ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ" وقال أبو عمران عن أبي الجلد قال: لما نزل بهم العذاب، جعل يدور على رؤوسهم كقطع الليل المظلم، فمشوا إلى رجل من علمائهم، فقالوا: علمنا دعاء ندعو به؛ لعل الله أن يكشف عنا العذاب فقال: قولوا: يا حي حين لا حي، يا حي محيي الموتى، يا حي لا إله إلا أنت، قال: فكشف عنهم العذاب. وتمام القصة سيأتي مفصلاً في سورة الصافات إن شاء الله.