التفاسير

< >
عرض

أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ
١
حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ
٢
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٣
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٤
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ
٥
لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ
٦
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ
٧
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ
٨
-التكاثر

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت، وزرتم المقابر، وصرتم من أهلها.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا زكريا بن يحيى الوقار المصري، حدثني خالد بن عبد الدائم عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألهاكم التكاثر ــــ عن الطاعة ــــ حتى زرتم المقابر ــــ حتى يأتيكم الموت" وقال الحسن البصري: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } في الأموال والأولاد. وفي صحيح البخاري في الرقاق منه: وقال: أخبرنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } يعني: "لو كان لابن آدم واد من ذهب" . وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت قتادة يحدث عن مطرف، يعني: ابن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "{ أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟" ورواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق شعبة به، وقال مسلم في صحيحه: حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأمضى، وما سوى ذلك فذاهب، وتاركه للناس" تفرد به مسلم.

وقال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله" وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به، وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن شعبة، حدثنا قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يهرم ابن آدم، ويبقى منه اثنتان: الحرص والأمل" أخرجاه في الصحيحين. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الأحنف بن قيس، واسمه الضحاك: أنه رأى في يد رجل درهماً، فقال: لمن هذا الدرهم؟ فقال الرجل: لي، فقال: إنما هو لك إذا أنفقته في أجر، أو ابتغاء شكر، ثم أنشد الأحنف متمثلاً قول الشاعر:

أَنْتَ لِلمالِ إذا أَمْسَكْتَهُفإذا أَنْفَقْتَهْ فَالمالُ لَكْ

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، قال صالح بن حيان: حدثني عن ابن بريدة في قوله: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } قال: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار: في بني حارثة، وبني الحارث، تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان بن فلان، وفلان؟ وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان؟ يشيرون إلى القبور، ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل. وقال قتادة: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعد من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم، والصحيح أن المراد بقوله: زرتم المقابر: أي: صرتم إليها، ودفنتم فيها، كما جاء في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده، فقال: "لابأس، طهور إن شاء الله" فقال: قلت: طهور، بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، قال: "فنعم إذن"

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا حكام بن سلم الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن الحجاج عن المنهال عن زر بن حبيش عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ }. ورواه الترمذي عن أبي كريب عن حكام بن سلم به، وقال: غريب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سلمة بن داود العرضي، حدثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } فلبث هنيهة، ثم قال: يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله. وقال أبو محمد: يعني: أن يرجع إلى منزله، أي: إلى جنة أو إلى نار، وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلاً يتلو هذه الآية: حتى زرتم المقابر، فقال: بعث اليوم ورب الكعبة أي: إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.

وقوله تعالى: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } قال الحسن البصري: هذا وعيد، وقال الضحاك: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني: أيها الكفار { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني: أيها المؤمنون، وقوله تعالى: { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي: لو علمتم حق العلم، لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى صرتم إلى المقابر، ثم قال: { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } هذا تفسير الوعيد المتقدم، وهو قوله: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } توعدهم بهذا الحال، وهو رؤية أهل النار التي إذا زفرت زفرة واحدة، خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه؛ من المهابة والعظمة، ومعاينة الأهوال؛ على ما جاء به الأثر المروي في ذلك، وقوله تعالى: { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم؛ من الصحة والأمن، والرزق وغير ذلك، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا زكريا بن يحيى الخزاز المقري، حدثنا عبد الله بن عيسى أبو خالد الخزاز، حدثنا يونس بن عبيد عن عكرمة عن ابن عباس: أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة، فوجد أبا بكر في المسجد، فقال: "ما أخرجك هذه الساعة؟" فقال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: "ما أخرجك يابن الخطاب؟" قال: أخرجني الذي أخرجكما، قال: فقعد عمر، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما، ثم قال: "هل بكما من قوة تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعاماً وشراباً وظلاً؟" قلنا: نعم. قال: "مروا بنا إلى منزل ابن التيهان أبي الهيثم الأنصاري" قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا، فسلم واستأذن ثلاث مرات، وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام، تريد أن يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلام، فلما أراد أن ينصرف، خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم، فقالت: يا رسول الله قد والله سمعت تسليمك، ولكن أردت أن تزيدني من سلامك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيراً" ثم قال: "أين أبو الهيثم لا أراه؟" قالت: يا رسول الله هو قريب، ذهب يستعذب الماء، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله، فبسطت بساطاً تحت شجرة، فجاء أبو الهيثم، ففرح بهم وقرّت عيناه بهم، فصعد على نخلة، فصرم لهم أعذاقاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك يا أبا الهيثم" فقال: يا رسول الله تأكلون من بسره ومن رطبه ومن تذنوبه، ثم أتاهم بماء فشربوا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه" ، هذا غريب من هذا الوجه.

وقال ابن جرير: حدثني الحسين بن علي الصدائي، حدثنا الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما أبو بكر وعمر جالسان، إذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أجلسكما ههنا؟" قالا: والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع. قال: "والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره" فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟" فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته فقال: مرحباً، ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم، فعلق قربته بقرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا كنت اجتنيت؟" فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم أخذ الشفرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب" فذبح لهم يومئذ، فأكلوا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسألن عن هذا يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم" ورواه مسلم من حديث يزيد بن كيسان به، ورواه أبو يعلى وابن ماجه من حديث المحاربي عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بكر الصديق به، وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحو من هذا السياق وهذه القصة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج، حدثنا حشرج عن أبي نُصرة عن أبي عسيب، يعني: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، فمر بي فدعاني، فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر، فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر، فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: "أطعمنا بسراً" فجاء بعذق، فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب وقال: "لتسألن عن هذا يوم القيامة" قال: فأخذ عمر العذق، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: "نعم إلا من ثلاثة: خرقة لف بها الرجل عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو جحر يدخل فيه من الحر والقر" تفرد به أحمد، وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا عمار، سمعت جابر بن عبد الله يقول: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطباً، وشربوا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه" ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن جابر به، وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد، حدثنا يزيد، حدثنا محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن محمود بن الربيع قال: لما نزلت: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ }، فقرأ حتى بلغ: { لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قالوا: يا رسول الله عن أي نعيم نسأل؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال: "أما إن ذلك سيكون"

وقال أحمد: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا معاذ بن عبد الله بن حبيب، عن أبيه عن عمه قال: كنا في مجلس، فطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء، فقلنا: يا رسول الله نراك طيب النفس، قال: "أجل" ثم خاض الناس في ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لابأس بالغنى لمن اتقى الله، والصحة لمن اتقى الله خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم" ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن عبد الله بن سليمان به. وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الأشقري قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يسأل عنه ــــ يعني يوم القيامة ــــ العبد من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك بدنك؟ ونروك من الماء البارد؟" تفرد به الترمذي، ورواه ابن حبان في صحيحه من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر به.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا مسدد، حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن حاطب عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لما نزلت: { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قالوا: يا رسول الله لأي نعيم نسأل عنه؟ وإنما هما الأسودان التمر والماء، قال: "إن ذلك سيكون" وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان، هو ابن عيينة، به ورواه أحمد عنه، وقال الترمذي: حسن. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني، حدثنا حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية: { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قال الصحابة: يا رسول الله وأي نعيم نحن فيه، وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير؟ فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: أليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن ابن أبي ليلى، أظنه عن عامر، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قال: "الأمن والصحة" وقال زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "{ ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } يعني: شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذة النوم" ورواه ابن أبي حاتم بإسناده المتقدم عنه في أول السورة. وقال سعيد بن جبير: حتى عن شربة عسل. وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا، وقال الحسن البصري: من النعيم: الغداء والعشاء. وقال أبو قلابة. من النعيم: أكل السمن والعسل بالخبز النقي. وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قال: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العباد فيمَ استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: { { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء: 36].

وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي، حدثنا علي بن الحسين بن شقيق، حدثنا أبو حمزة عن ليث عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فوق الإزار وظل الحائط والخبز، يحاسب به العبد يوم القيامة، أو يسأل عنه" ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإسناد. وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا حماد، قال عفان في حديثه: قال إسحاق بن عبد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل ــــ قال عفان: يوم القيامة ــــ يابن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟" تفرد به من هذا الوجه. آخر تفسير سورة التكاثر، ولله الحمد والمنة.